قابلت أحد أبناء جبال النوبة وقال لى بالحرف الواحدأن لهم علاقة مع النوبيين وأن أصلهم يرجع الى كوش بن حام وهو جد النوبيين وزاد فىحديثه لى وقال بأن هناك كلمات نوبية تتواجد فى لهجتهم مثل (كتى ) الملابس و(كج ) الحمار لذلك قررت بأن أدرس الموضوع ورجعت لبعض المراجع المتخصصة فى تاريخ وثقافة النوبة وخرجت بالمقال التالى .
يرى بعض علماء اللغة بالخطأ ومنهم عالم اللغات فردريكمولر بأن هناك تشابه بين اللغة السائدة فى بعض قبائل الجبال ( جبال النوبة ) بجنوب كردفان وبين اللغة النوبية وأن النوبا والنوبيين ينتمون الى سلالة واحدة وأعتقد أنهذا اللغوى قد وقع فى خطأ جسيم عندما بنى قرابة النسب على تشابه لغوى .
من الثابت أن منطقة الجبال بجنوب كردفان لا تشتمل علىلغة واحدة بل على ثلاثة مجموعات لغوية مختلفة وقد ثبت بأن الجبال الشمالية فقط مثلجبل داير وما يليه وحدها التى يتحدث أهلها بلسان يرى علماء اللغات أنه يشبه من بعض الوجوه لغة النوبيين .
النوبيون يستخدمون الشلوخ كما تفعل القبائل العربية ويمارسون الختان للأولاد والختان الفرعونى للبنات وهذه عادات لا يعرفها النوباويونسكان الجبال ولكنهم بالعكس يمارسون عادات لا يعرفها النوبة مثل خلع القواطع وخرق الشفة السفلى للنساء لكى توضع فيها حلية .
من المؤسف أن سكان الجبال أطلق عليهم إسم النوبافساعد تشابه الأسماء على كثير من الخطأ وعلى الأخص عند العامة وهواة العلم ، والذى يعلمه الجميع أن هذا التشابه فى الإسم سطحى ولا يستند الى أية صلة أو قرابة نسببين الشعبين .
ما الأسباب وراء التشابه اللغوى بين النوبة والنوباويين ؟
هناك بعض الكتاب يقولون : أن هجرة نوبية إنتشرت فىكردفان وإستقرت فى الأطراف الشمالية الغربية من الجبال غير أن هذا الراى لا يشفىغلة علماء اللغة ، وذلك لأن اللغة النوبية أو لهجات تشبهها من بعض الوجوه موجودة أيضاً فى شمال كردفان ودارفور كما هى الحال فى جبل ميدوب وكذلك فى الأطراف الجنوبية من البطانة بين أعالى نهر عطبرة والنيل الأزرق ويمكن أن يفسر هذا التشابهبما كان للنوبيين من التأثير فى هذه الأقاليم كما كان لهم إنتشار مؤكد فى كردفان ودارفور ، لكن هذا التفسير يأباه الكثير من علماء اللغة مثل زيلارتس ( عالم نمساوى) . أكد علماء اللغة بأن هناك خصائص فى بعض المفردات وفى النحو والصرف مشتركة بين اللغة النوبية ولغة البارى فى أعالى بحر الجبل بجنوب السودان والماساى فى هضبةأفريقيا الشرقية ولغة النيليين مثل الدينكا والشلك ، ولتفسير هذه الظاهرة نقول بأنهذه الجماعات كلها دخلها كثير من الدماء الحامية وأن اللغة النوبية كالشعب النوبىمن أصل حامى صميم .
زيلارتس العالم النمساوى رأى بلا شك لأسباب وجيهه فىنظره أن لغة سكان الجبال المشابهه للغة النوبيين لا يمكن أن تكون مشتقة من اللغةالنوبية السائدة فى جنوب مصر وشمال السودان ، بل أنهما فرعان من لغة واحدة كانت منتشرة فى شمال كردفان ثم إنتقلت بواسطة أصحابها الى كل من الإقليمين ونورد هنا تلخيصاً لرأى هذا العالم :
كان الوطن الأصلى للنوبة والنوباويين فى شمال كردفان حيث تكاثر عددهم وإتسعت أوطانهم حيث أمكن تقسيمهم فى ذلك الزمن البعيد الي قسمين(أ) و(ب) لإختلاف اللهجات .
في القرون السابقه للميلاد أي ما بين (500 و100 ق.م )نزحت أعداد كبيره من النوبه (أ) غربا الي جبل ميدوب ونزحت أخري لإتجاه الشمال اليالنيل حيث عاشوا جنبا لجنب مع الليبيين الذين كانوا سكان البلاد في ذلك الوقت .
في القرن الأول والثاني هاجر باقي قسم (أ) من كردفان في الإتجاهين المذكورين آنفا ويزعم الكاتب تأييداً لرايه أن هنالك أسطوره لدي بعض النوباويين بأن أجدادهم وأجداد النوبه كانوا إخوة ثم حدث نزاع حول ملكية خنزير كانقد قرب قربانآ في بعض المناسبات فهاجر أجداد النوبيين ونزحوا عن البلاد.هذه الأسطوره علي طرافتها لا تؤيد وجهة نظرالمؤلف في أن النوبيين هاجروا من شمال كردفان .
الشعبة الثانية من القسم (أ) التى هاجرت فى القرن الأول والثانى بعد الميلاد قد سلكت طريقين أولهما طريق وادى الملك الى بلاد النوبة مباشرة والآخر طريق درب الأربعين الى الواحات الخارجة وهؤلاء كانوا قلة ، أماالكثرة فقد هاجرت الى بلاد النوبة حيث أقاموا مع أقربائهم الذين نزلوا هذه الديارببضعة قرون .
أما القسم (ب) فيقول عنه المؤلف أنه هاجر مشرقاً الىأرض الجزيرة فى أوائل القرن الرابع حوالى 320 م ثم الى البطانة حيث أغار على مملكة مروى وقضى عليها ولكنه لم يقتبس حضارتها ولم يمتزج بالسكان الى أن دخلت المسيحيةالى بلاد دنقلا ثم الى مروى فإنتشر تأثيرها الى القسم (ب) بل وإمتد أيضاً الى جبلميدوب ، المهم فى هذا كله أن هذا المؤلف وغيره يزعم أن هؤلاء المهاجرين هم السلالةالتى تدعى بحق بإسم النوبة وهم الذين نشروا اللغة النوبية فى البلاد وقد حملوها من أوطانهم الأصلية فى شمال كردفان .
حاول زيلارتس بنظريته هذه التى تستند الى بعض الخصائص اللغوية أن يعطى صورة كاملة تفسر الظواهر المختلفة المتصلة بإنتشار الثقافة النوبية فى مختلف الجهات ولم يفته أيضاً أن يجد تفسيراً لبعض الإشارات التى ذكرتبأن النوبيين وصلوا الى الواحات الخارجة ويبدو فى الصورة التى رسمها تلك النزعةالغالبة عن الكثير من الكتاب وهى أن اللغة النوبية ليست أصلية فى بلاد النوبة بلدخلت البلاد فى قت ما – سابق العهد المسيحى – كما أن الجماعات التى أدخلت هذه اللغة ونشرتها هى التى كانت تدعى بإسم النوبة .
ومع ذلك ليس من السهل قبول هذه النظرية لسببين :
1- النوبة فى كردفان مختلف كل الإختلاف عن النوبيين فى الملامح والعادات .2- أن هذه الهجرات للطائفة النوبية قد دخلت بلاداً تسودهاالحضارة منذ قرون عديدة كثيرة السكان وإن إتسعت لبعض المهاجرين فليس بمعقول أنيضطر هؤلاء المهاجرون السكان الأصليين الى تغيير لسانهم والى تغيير إسمهم والمعروفأن سكان البلاد ( بلاد النوبة ) لم يكونوا بالشعب السهل الذى يتيسر إخضاعه .
أحمد عثمان جبرة
حلفا - القرية 16
(( منقول ))