منتديات عـقرتق النوبية
من روائع الاستاذ أنور محمدين  F3al_c10


عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة منتديات عقرتق النوبية
سنتشرف بتسجيلك
شكرا Smile
ادارة المنتدي Smile
منتديات عـقرتق النوبية
من روائع الاستاذ أنور محمدين  F3al_c10


عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة منتديات عقرتق النوبية
سنتشرف بتسجيلك
شكرا Smile
ادارة المنتدي Smile
منتديات عـقرتق النوبية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى تفاعلى يجمع ابناء شياختي عقرى / تقنن داخل وخارج السودان وعلى امتداد النوبة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
»  سجل حضورك بالصلاة على النبي
من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء مارس 27, 2013 5:14 pm من طرف ahmedamin

» غيب .. وتعال ..!!!
من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأحد أكتوبر 28, 2012 6:26 pm من طرف um ayaa

» أين الخطاء
من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالثلاثاء يناير 10, 2012 4:57 am من طرف محمد صالح على

» فوائد المشي النفسية والصحية
من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 14, 2011 7:23 pm من طرف الفل الأنيق

» نحنا جيناكي يا عقرتق
من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 14, 2011 5:48 am من طرف فقيرى املين تود

»  ركن الباشا
من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 14, 2011 12:46 am من طرف ابو احمد

» أيهم أهم الحب ام الصداقة
من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالثلاثاء سبتمبر 13, 2011 4:42 am من طرف مغترب

» صلاة الاستخارة ! حكمها ،، وطريقتها
من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالإثنين سبتمبر 12, 2011 8:33 pm من طرف محمد صالح على

» إذاعة كدنتكار
من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأحد سبتمبر 11, 2011 9:12 pm من طرف ابو احمد

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
ابو احمد
من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_vote_rcapمن روائع الاستاذ أنور محمدين  I_voting_barمن روائع الاستاذ أنور محمدين  I_vote_lcap 
Admin
من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_vote_rcapمن روائع الاستاذ أنور محمدين  I_voting_barمن روائع الاستاذ أنور محمدين  I_vote_lcap 
الفل الأنيق
من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_vote_rcapمن روائع الاستاذ أنور محمدين  I_voting_barمن روائع الاستاذ أنور محمدين  I_vote_lcap 
محمد صالح على
من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_vote_rcapمن روائع الاستاذ أنور محمدين  I_voting_barمن روائع الاستاذ أنور محمدين  I_vote_lcap 
زهرة عقري
من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_vote_rcapمن روائع الاستاذ أنور محمدين  I_voting_barمن روائع الاستاذ أنور محمدين  I_vote_lcap 
ابوحموودي
من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_vote_rcapمن روائع الاستاذ أنور محمدين  I_voting_barمن روائع الاستاذ أنور محمدين  I_vote_lcap 
زهرة البنفسج
من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_vote_rcapمن روائع الاستاذ أنور محمدين  I_voting_barمن روائع الاستاذ أنور محمدين  I_vote_lcap 
عبدو أبو عبد الله
من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_vote_rcapمن روائع الاستاذ أنور محمدين  I_voting_barمن روائع الاستاذ أنور محمدين  I_vote_lcap 
ابو عبد اللطيف
من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_vote_rcapمن روائع الاستاذ أنور محمدين  I_voting_barمن روائع الاستاذ أنور محمدين  I_vote_lcap 
مغترب
من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_vote_rcapمن روائع الاستاذ أنور محمدين  I_voting_barمن روائع الاستاذ أنور محمدين  I_vote_lcap 

 

 من روائع الاستاذ أنور محمدين

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر الدولة : السعودية
الجنسية : سوداني
عدد المساهمات : 272
نقاط : 397

من روائع الاستاذ أنور محمدين  Empty
مُساهمةموضوع: من روائع الاستاذ أنور محمدين    من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 29, 2010 8:43 am


غريب وحيد في أبو ظبي (3)
تلاشى هدير محركات الطائرة العملاقة ‘ التي جثت على المدرج لنخرج من بطنها زرافات‘ وبما أنها المرة الأولى التي تطأ فيها قدمي هذه الأرض فلم يكن أمامي سوى الاستفادة من غريزة القطيع ومتابعة جل زملائي المسافرين الخارجين حتى انتهى مطافنا إلى صالة المطار الضخمة ‘ التي تأخذ شكلا دائريا يوحي بصورة زهرة اللوتس‘ تصب فيها وإليها كل جموع القادمين من كل فجاج الأرض ‘وما أكثرهم! وبالسؤال وصلت إلى إحدى موظفات مكتب طيران الاتحاد لأعرض عليها رغبتي الخروج من المطار والتخلف يومين ‘غير أنها أبدت تحفظها على ذلك بلغة إنجليزية رقراقة ودفعت لي بتذكرتي كوبون يحقان لي بهما تناول وجبتين مجانا في كافتيريا المطار خلال انتظار رحلتي للهند. وسألتها :أين سأقضي ليلتي؟ فردت :على كراسي الصالة تلك ! والتفت ُ لأجدها عديدة مصطفة على هيئة قطاعات تفصلها عدة محال تجارية ومكاتب خدمات. كان يرابط في الخارج أحبابي علي سيد "شالي"‘ محمد صالح فرح ‘وجمال أبوعلي لاستقبالي‘ وحين نقلت لهم وضعي أشاروا علي بمواصلة المجهود ومقابلة الجوازات‘التي مضيت لمكاتبها البعيدة نسبيا بقدمي الموجعة حيث حاولت بإلحاح الخروج‘خصوصا أنني أشتاق لرؤية أهلي وأحبابي هناك. وكنت حريصا على حمل أرقام كل من تفضل بالترحيب بي في المنتديات لزيارتهم والتعرف بهم من كثب‘ ولكن كل محاولات خروجي الحثيثة انتهت إلى الاستحالة وكان آخر المطاف الدخول على المدير المناوب وهو ضابط شرطة كبير‘الذي اعتذر لي بلطف شديد قائما من كرسيه. وكانت العقدة المهنة العمالية التي يحملها جواز سفري‘وقال إنه يعرف أنها ليست مهنتي الحقيقية ولكنه محكوم بلوائح لا يستطيع تجاوزها ‘فأبلغت الأحباب فشلي ‘فتألموا وردوا بأنهم كانوا قد رسموا لي برنامجا جميلا يتمثل في زيارات أسرية وسهرة أنس ماتعة .وشكرتهم طالبا انصرافهم وأنا أدرك كم صعب على قلوبهم الطيبة تركي في وضعي العجيب. في طريق عودتي من المدير لاحظت إقبال رهط من الناس في اتجاهي‘يتوسطهم زنجي أنيق أكاد أعرفه ‘تحيط به بنات رائعات الجمال فئة 5 نجوم وشبان وسيمون يحملون الأزهار الفواحة وتلاحقه كاميرات الصحافة والإعلام ‘فسألت من يتابع هذا الموكب بنظراته معي: من هذا السيد ؟ فقال في دهشة:ألا تعرفه ؟ إنه ساحر الكرة البرازيلي بيليه! آه ‘ما أغباني ! الآن تذكرت.. إنه أيضا وزير الرياضة السابق في بلاده وسفير النيات الحسنة للأمم المتحدة حاليا وأول لاعب في التاريخ سجل 1000 هدف‘ ولم يبلغ هذا النصاب بعده سوى مواطنه روماريو هذا العام. يا لها من مفاجأة سارة! فجدي كان يقول "اللي يلف يشوف"‘ داحضا المثل المعروف "اللي يعيش يشوف"!
جلست على كرسي وأمامي نحو 12 ساعة من الفراغ العريض رحت أملأها باستدعاء كل ما أعرفه من علم البارا سايكولوجي ‘قارئا وجوه المارة من خلال قسماتهم وأوضاعهم ..هذا خواجة يبدو أنه إنجليزي يقف مشدوها وكأنه مرسوم بلا حراك‘ وعلى يساري شابة إثيوبية مليحة "مودرن" ترتدي بنطلون جينز وقميص "تي شيرت"‘‘تلاعب طفلها ‘ الذي "يجري ويمشي يجيها راجع" ‘كما تقول الأغنية ‘في لهو محبب‘ وهما من قوم مولعين بالمرح والرقص والموسيقى‘إذ ذكر ذلك ألان مورهيد في كتابه القيم "النيل الأزرق" قبل قرون حين تتبع النيل الأزرق من منبعه مارا بالسودان‘كم من شبابنا قرأه!؟ وهنا تطوف في ذهني خريدة الشاعر الرقيق محمد سعد دياب:
مادلينا .. مادلين
الأم سليلة أمهرا * والوالد من قلب أثينا
وتلك فتاة أجنبية تجر وراءها حقيبة بمقبض يد طويلة ‘تلبس شرابا طويلا بينما لا تغطي تنورتها المايكرو سوى ثلث وربما ربع فخذها ! وفهمت اليوم جدوى عروض الأزياء العجيبة‘ التي كنت أستغرب تنظيمها لاعتقادي الغاشم أنها بلا زبونات‘ فحولي فاتنات من الشرق والغرب يرتدين اللامعقول! الآن أعثر على سوداني عائد من مهمة في باكستان للخرطوم‘ أسعد به لأقطع الوقت معه ولكن سرعان ما ينبح المايكرفون باستدعاء ركاب "سودانير" ليودعني مسرعا نحوطائرته.في وسط دائرة الصالة أمامي عمود ضخم ينشر مظلته الواسعة في كل الاتجاهات ‘ألمح عليها رسومات كرة قدم مكررة بينما ألتهم سندوتشين مملوءين بتوليفة "مسقع باذنجان وشرائح بطاطس" كانا في كيسي من البيت ولم أفطن لهما إلا الآن حين صدحت بلابل الجوع تنادي بالطعام.عقارب الساعة الجدارية أمامي تزحف نحو منتصف الليل والنعاس يداعب جفني وبجانبي من يتطوع بإخباري عن فندق فخيم داخل المطار يمكن المبيت فيه ب 600 درهم بالتمام والكمال ( الدرهم يساوي الريال السعودي تقريبا)‘ يعني أمامي نوم 6 ساعات لقاء هذا المبلغ الباهظ الكفيل بتشغيل عامل آسيوي شهرين متتاليين في الخليج ‘ وقلت في نفسي " على إيه‘ليلة تفوت ولا حد يموت"!
الواحدة صباحا شغلني سلطان النوم ولاحظت أن بعض رفاقي ناموا بين صفوف الكراسي الخلفية‘ ووجدت مجلة مهملة بجانبي فنزعت صفحاتها ونشرتها ورقدت عليها متوسدا كيسي الحبيب وواضعا حذاءي المتعِبين تحت قدميّ‘ متأملا المفارقة المتمثلة في مرقدي الاضطراري غير المريح والرياش التي يتقلب فيها بيليه لأنه مشهور وموهوب وأنا مغمور! ترى هل أخطأت الطريق واخترت الدراسة والتدريس بدل التركيز على "الكفر"؟ أولم يكن بيليه في بدء أمره بائسا‘ يائسا ‘يمسح الأحذية؟! وقد قرأت مرة خبرا طريفا عن مشاجرة زوجين في نابولي الإيطالية حول مستقبل طفلهما ‘فبينما يرى أحدهما أن الأفضل له المدارس التقليدية‘ يرى الآخر إلحاقه بمركز تعليم النشل في الميناء باعتباره الوسيلة الأسهل والأسرع للثراء!! والمفارقة الأخرى أنني في هذا النوم "الغزالي" الخفيف‘ أحس بمرور المسافرين المتواصل حولي ما يحرمني الاستغراق والتوغل في النوم ‘ بينما بيوت أهلي في المدينة كانت ستحضنني عزيزا‘ مكرما ‘ تزرع الدفء في أوصالي مشاعرهم الدافئة قبل أغطيتهم الناعمة! فقلت في نفسي بلغة المسلسلات المصرية متحسرا "قسمتك يا نعمة"!
صحوت عند السادسة صباحا ‘تلسعني سياط البرد فأسرعت إلى الطابق الأرضي حيث الأسواق الحرة أستاك وأسوي حالي وهيئتي في حماماتها قبل أن أتناول كوب شاي ساخن في الكافتيريا. إثر ذلك دخلت المسجد المجاور محاولا الرقاد فيه غير أن المكيف كان مرتفعا هواؤه البارد ما أجبرني على الانسحاب. في الباب صادفت شابا سودانيا:
- صباح الخير‘من فين إلى فين؟
- من الهند إلى السعودية!
- أنا على العكس‘ من السعودية إلى الهند! فضحكنا.
فقدمت له نفسي‘ فإذا هو يفاجئني: أأنت والد بسام؟ نعم.
وحدث عناق وسلام جديد بالحضن.
- يبدو أنه زميلك؟
- ليس زميلي فحسب‘إنه صديقي وصديق الجميع.
- هذا من فضل الله ولطفك‘ سأنتظرك في الخارج. دخل المسجد وأدى الصلاة وتلا ما تيسر من المصحف وخرج فأخذته إلى الكافتيريا وعلى وجبة الفطور عرفني بنفسه: حمد من الجزيرة‘ والداه في الدمام‘ وفاجأني مرة أخرى بأنه يتابع كتاباتي في المنتديات ومعجب بها! ما أضيق هذا العالم ! ورحنا نتونس حول الهند والسعودية وطبعا السودان ونحن نطوف على المحال التجارية‘ التي تتحدث بائعاتها الإنجليزية دون إلمام بالعربية! ومن فرط طرقعة الإنجليزية من حولي أحس بأن العربية هي اللغة الثانية هنا! حان الآن موعد إقلاع طائرته فودعني ورجعت لوحدتي.
عاود أصدقائي من أبو ظبي اتصالاتهم بي يطمئنون على وضعي مشكورين‘ وانضم إليهم الباشمهندس شريف سيد أحمد من دبي‘ الذي ظل في اتصال دائم بالأحباب في أبو ظبي مشكورا.المشكلة أن رصيدي في الجوال كان يؤكل في كل استقبال لمكالمة حتى تناقص من 100 ريال إلى 20 فاضطررت للرد بالرسائل! شكرا لكل من توقعني في أبو ظبي وتهيأ لاستقبالي. وتقديرا لحفاوتكم فإنني أعد بزيارتكم في أعجل وقت ممكن ‘جوزيتم خيرا.
في نحو العاشرة أعلن المايكرفون الداخلي نداء لركاب طائرة شركة الاتحاد المتجهة إلى نيودلهي للتوجه لبوابة محددة. الآن أسرع مع رفاق رحلتي للانتظام في صف الإجراءات توطئة للدخول إلى الطائرة ‘التي تحلق عاليا في الجو مرتفعة رويدا‘ رويدا لتستقر على ارتفاع شاهق ‘سابحة فوق الغيوم إلى مقصدنا البعيد.في حلقتنا التالية نرى ما اكتنف وصولي إلى الهند‘ وفي رعاية الله أترككم.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.agrteg.8m.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر الدولة : السعودية
الجنسية : سوداني
عدد المساهمات : 272
نقاط : 397

من روائع الاستاذ أنور محمدين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع الاستاذ أنور محمدين    من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 29, 2010 8:44 am

هكذا وصلت الهند (4)
الطائرة الضخمة التي غادرت مطار أبو ظبي قبل قليل مكتظة بالركاب‘فجواري شاب بنغالي حليق ‘أنيق يكاد يطير فرحا لأنه في طريقه للزواج‘ فأنفحه مكعبات من العلكة (اللبان)‘ التي أحرص على مضغها في سفرياتي اتقاء تأثير الضغط الجوي وصمم الأذن المؤقت وانسدادها .أمامي مباشرة راكبان من المؤلفة قلوبهم فهما من حديثي الإسلام كما هو باد من المطبوعات التي يطالعانها‘ وعلى يسارهما شاب "فايق" فتح الشاشة التي أمامه وبدأ يتابع مسلسل"توم آند جيري"! المضيفات الأربع الأنيقات ‘الشقراوات‘ عاليات الصدور‘ناحلات الخصور‘مكتنزات السيقان‘يوزعن علينا وجبة الغداء‘مع ابتسامات مشعة مهنية مطبوعة. والصورة مقلوبة في ظني فنحن الركاب كان الأحرى بنا خدمة هؤلاء الرشيقات اللائي ليس بينهن من في عيار التبلدي أو مقاس الجميز! ولكل مثالبه ومزاياه.
نطير الآن فوق الأراضي الإيرانية‘ التي يشغل زعيمها البروفيسور نجاد الدنيا رافضا الدخول في بيت الطاعة الأمريكي‘مستندا إلى بلاده الغنية‘رابع أكبر مصدر للنفط في العالم والثاني في منظومة"أوبك"‘فضلا عن تحكمها في مضيق هرمز الاستراتيجي " أضيق عرض له نحو 55 كلم"‘الذي إن أقفل تتعطل 88 % من صادرات خام الخليج فيصيب الاقتصاد العالمي الكساد الماحق‘وفضلا عن التوافق المذهبي مع شيعة العراق وهم الغالبية فعينها على القوات الأمريكية والغربية في بلاد الرافدين‘ وإسرائيل المتغطرسة في مرماها‘فإيران غصة عصية في الحلق الأمريكي ولذا يقول نائب قائد قوات المارينز "أذهب للنوم وأنا أفكر في إيران‘ وأصحو وأنا أفكر فيها"! وأتصور أن تحتنا الآن حشودا تزمجر‘هادرة‘ متوعدة "الموت لأمريكا"! ونواصل الطيران شرقا عبر الأجواء الباكستانية‘ الدولة النووية الإسلامية الوحيدة ‘التي دفع رئيسها الأسبق ذو الفقار علي بوتو حياته ثمنا لها "والد الراحلة بنظير" ‘فقد حذره الغرب من محاولة الدخول في النادي النووي‘ متوعدا بتصفيته جسديا ولكنه مضى إلى نهاية الشوط شهيدا ‘ومحققا لبلاده قوة ذرية ضاربة.
بعد طيران دام 3 ساعات ونصفا تهبط اللحظة طائرتنا بسلام في مطار نيودلهي الدولي وأسير مع تيار الركاب إلى حيث الإجراءات‘ وأبحث بعيوني عن سوداني أو عربي أستأنس به وأحس بالاطمئنان بجانبه ولكن هيهات ! أخيرا وجدته ‘وجدته ‘سوداني أمامي بيني وبينه 5 ركاب أتخطاهم وأقف وراءه تماما في الصف الزاحف ..أسمعه يتحدث مع راكبين قدامه بالعربي ‘فأسلم عليهم ولكني ألاحظ عدم اكتراثهم بي‘بل ربما بعض الصدود‘فإجاباتهم مقتضبة‘وباستفسارهم قالوا لي إن هذه سفريتهم الثانية القصيرة للهند "يبدو أنهم تجار شنطة"‘ وإنهم يجهلونها لأنها متغيرة باستمرار! تعجبت من هذه المعاملة ‘خاصة من سوداني في الغربة ‘ولكن متى عرف السبب بطل العجب‘فحين عكفنا على ملء استمارات الوصول التي وزعت علينا لمحت في خانة الجنسية "مصري"‘ وهنا أدركت ما قاله لي زميل ذات مرة من أن بعض النوبة المصريين ‘يعدون أنفسهم مصريين أكثر حتى من غيرهم ‘ وينظرون إلى السودانيين بدونية‘ طبعا بمن فيهم نحن النوبيين أبناء عمومتهم! والحمد لله أن هؤلاء قلة‘بل ندرة.هنا احترمت نفسي وابتعدت عنهم بكرامتي ‘قائلا لنفسي "يعني حيحصل إيه ‘سجن سجن ‘غرامة ‘غرامة"!
أدور بنظراتي في الصالة الفسيحة .. تلفت انتباهي صورة على الجدار تظهر برجا معماريا شاهقا كتب أسفله ما ترجمته" برج دلهي ‘أكبر برج في العالم..وليس أكبر منه سوى أحلامنا تجاه الهند"! هنا فهمت الدرس الأول في هذا البلد..إنهم يموتون حبا في بلادهم. وعلمت لاحقا أن البرج قيد الإنشاء وسيتفوق على برج دبي الأعلى حاليا .وجدت نفسي ليس الأخير في الصف فحسب ‘بل في الصالة فقد تسرب الهنود والأجانب من حولي وكأنهم "فص ملح‘ وداب" بالتحول إلى الصفوف الأقل عددا والمثل النوبي يقول "الأخير عشا الضبع"!.موظف الجوازات ينظر في جوازي ثم يختلس النظر إلى مباراة الكريكت المعروضة على الشاشة المثبتة على الحائط‘ وهو اللعبة التي تحظى بأكبر شعبية في الهند وباكستان معا ‘أخيرا يختم موافقا على دخولي بلادهم‘ فأسرع في اتجاه ذيل آخر المنصرفين لأجد مصريا لم تصل أمتعته يقوم باللازم‘ فأجتهد في العثور على عفشي دون جدوى‘فألجأ لموظفة مكتب " طيران الاتحاد" الهندية‘ التي تملأ معي بيانات استمارة بمحتويات الحقيبتين ومواصفاتهما ورجوت المصري أن ينتظرني دقائق لنخرج معا ولكن حظي معه لم يكن أفضل من إخوانه السابقين! الآن أهرع للخروج وأجد في طريقي على اليسار مكتب استبدال العملات وأتذكر تحذير زميل هندي لي في الرياض من ابتزاز عصابات استبدال العملات العشوائيين خارج المطار فأدفع للموظف ب 500 ريال سعودي‘ وكنت قد استبدلت 100 ريال في مطار أبو ظبي‘ وكان أمامي هنا أيضا مصري آخر وكأني لا أتعظ جربت حظي معه ‘ملتمسا من "ابن النيل" انتظاري برهة.. لكن حين حشوت رزم العملة الهندية الكثيرة التي لا أعرف لا عددها ولا مقدارها في جيوبي بعناية لم أجد أحدا معي !! ومن عادتي في السفر توزيع ما أحمل من مال في عدة جيوب تحوطا‘ فحتى لو تم نشل جيب بقيت الأخرى!
في هذا الوقت كان الابن بسام في طريقه بالقطار من مدراس البعيدة إلى دلهي لاستقبالي ولكنه لن يصل إلا في السابعة صباح غد وفقا لبرنامج وصولي الأول وعند ما بكرت يوما كلف زميلا له في دلهي بلقائي.أتجاوز الصالات الداخلية ومعي زميلي في الرحلة كيسي الأثير وأخرج إلى الفناء الخارجي لأجد حشدا من الهنود مصطفين ‘ربما في انتظار أقربائهم ‘ ورحت أجول ببصري في كل الاتجاهات بحثا عن مستقبلي‘ أو أي سوداني أو حتى عربي أو إفريقي فلم أجد! وجوالي بلا رصيد ولا شريحة‘والشمس بينها وبين المغيب مقدار رمح‘ إذن أنا بلا معين وغريب في بلاد غريبة‘ في واحدة من أضخم عشر مدن في العالم‘ بجانب كلكتا ومومباي وفي معيتي نحو 10 آلاف ريال سعودي تعد ثروة ليس بمقاييس الهنود فحسب بل لحاملها أيضا ما يجعلني مطمعا لمن حولي"سنعرف في نهاية الرحلة ما بقي منها" .اقتربت من هندي توسمت في سيمائه خيرا وطلبت الاتصال بابني من جواله" للتشاور معه" فسمح ولكن لمرتين متتاليتين فشلنا في الاتصال! ما العمل؟ هذا مدار حلقتنا التالية ‘ إضافة إلى قصة الهنديتين‘ إلى لقاء.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.agrteg.8m.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر الدولة : السعودية
الجنسية : سوداني
عدد المساهمات : 272
نقاط : 397

من روائع الاستاذ أنور محمدين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع الاستاذ أنور محمدين    من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 29, 2010 8:45 am

· ليلتي الأولى في الهند ..(5)
· الآن أسأل هنديا خارج مطار نيو دلهي الدولي عن كيفية الحصول على سيارة أجرة فيشير إلى مكتب في أقصى الساحة ‘وبينما آخذ طريقي إليه رأيت إفراغ مثانتي تحوطا من "التلتلة" لحين بلوغ الفندق وشجعني عليه وجود "تواليت" على اليمين ‘وعند ما هممت بدخوله استوقفني موظفه الذي يجلس على كرسي وأمامه طاولة فوقها دفاتر تذاكر طالبا بلغته الهندية الأجرة فأخرجت له ورقة مالية من فئة 10 روبيات هندية حتى لا أكشف أنني غريب إن أعطيته "فكة" غير مناسبة‘فأعاد لي 8 روبيات (الريال السعودي يعادل 10 روبيات هندية تقريبا). وفي لمح البصر خرجت من الكنيف النظيف متجها صوب المكتب (لم أدخل مرحاضا متسخا طول إقامتي!) ‘وحين حدثت الموظف عن طلبي‘قال : أين تريد الذهاب؟ ولعله أراد اختبار مدى معرفتي بالبلد ‘فقلت له: إلى أقرب فندق‘فقال إنه يكلف 1000 روبية على الأقل‘فقلت :لا بأس ‘فسارع بالخروج من مكتبه سائرا معي إلى حيث تقف السيارات‘ ومال إلى أحدهم موسوسا بكلام لم أتبينه ‘الذي أحضر سيارته وتحرك بي بعد أن زودني الموظف بديباجة مرور‘وحين حاذينا كشكا عند المخرج إلى الشارع الرئيسي طلبها المسؤول‘الذي قطع منها جانبا وأعادها لي ‘لأحتفظ بها.
· انطلق السائق بالسيارة "الليموزين" السوداء شبه القديمة‘ وهو يسألني إن كانت هذه زيارتي الأولى للهند فتغافلت عن الإجابة لأن هاجسا كان يستبد بي بأنني مستهدف ل"فلوسي" ! وقررت أن أتعامل مع كل من أصادف باعتباره لصا إلى أن يثبت هو العكس! وبعد فترة لاحظت أنه انحرف بسيارته إلى طريق يمناه أشجار كثيفة! فأخرجت جوالي الذي لا حراك فيه متحدثا بالنوبية عن وصولي دلهي وأنني في الطريق للفندق لإيهامه بأن إخوة لي يتابعون تحركي!" شفتو الفن كيف؟"! ألاحظ أن الطريق واسع وتتدفق فيه كل وسائل الحركة بما فيها الركشا وحتى الحنطور الذي تجره الجياد ‘ وكل دابة بماكينة هنا هندية أو صنعت محليا بشركات عالمية‘ مثل "مرسيدس" التي يتعاظم تصنيعها هنا ويتقلص في مهدها ألمانيا‘ وأرى المشاة رجالا ونساء يسيرون على جانبي الطريق .نتجاوز أبنية من طابق واثنين وثلاثة في غالبها إلى أن توقفنا أمام فندق ستار "نجمة" في صف تتجاور فيه المحال التجارية المتلألئة بأضواء النيون ‘حيث دخلته عبر واجهة زجاجية بكيسي يصحبني السائق ووجدنا فيه غرفة بسريرين ب 1700 روبية ( 170 ريالا سعوديا) فوافقت على الفور فلم أكن مهتما بالتكلفة قدر حرصي على الراحة وإيجاد عنوان.وأخرجت الألف روبية للسائق فسألني موظف الاستقبال بدهشة فور انصراف صاحبنا بالغنيمة ‘هل أعطيته ألفا؟ فأجبت نعم‘أليس مناسبا؟ فرد بالإيجاب! طالبا أجرة الفندق فأخرجت لفائف العملة الهندية وأعطيته المطلوب وأنا أحاول التيقن من مقاديرها .الموظف منسق الهندام ‘يرتدي بدلة وكرافتة ‘أبيض البشرة‘ لفت انتباهي القرطان الشبيهان بدبلة الخطبة اللذان يتدليان من أذنيه‘ لكنه يبدو ودودا فطلبت في إلحاح الاتصال بابني في قطاره ولكنا لم نوفق ثم طلبت الاتصال بسفيرنا الذي أحمل رقمه ففعل لكن أيضا دون جدوى‘ لكن المهم أنني أوعزت له ب "أهميتي " وكيف أنني أعرف السفير شخصيا‘ حتى لا تحدثه نفسه أو غيره بابتزازي وربما قتلي لسلب ما معي! ما المانع ؟ وقد يطوف في أذهان البعض : وما علاقتي بالسفير؟ حسنا ‘لكن نترك الإجابة إلى حين.
· أعطى موظف الاستقبال مفتاح غرفتي ووجه أحد العمال الخمسة الموحد زيهم بإيصالي للغرفة ‘لكني رفضت مصرا على ألا أرتاح إلا بعد الاتصال بابني لأنني أعرف مقدار قلقه على والده‘ وسألت إن كان بمقدوري الحصول على شريحة جوال فورا فاتصل بمكتب مختص في الشارع التالي وبعد التنسيق معه اصطحبني عامل الفندق النيبالي لمساعدتي‘ وبلاده الرخيصة مجاورة للهند ولو لا عامل الزمن لكان بمقدوري زيارتها دون تأشيرة مسبقة ومشاهدة رياضة تسلق الجبال ومسابقات تسابق الفيلة اللتين تشتهر بهما‘ فضلا عن سياحة الجنس الشائعة في آسيا القصية .وبعد التفاهم وتصوير جواز سفري وبذل جهد ليس باليسير اشتغل جوالي وكررت الاتصال بابني حتى سمعت صوته أخيرا وضحكة الفرح في نبرته وطمأنته على وضعي وبسلامة وصولي وعدنا للفندق ليكمل له الموظف العنوان والوصف.الآن ارتاحت نفسي المجهدة‘ المكدودة ‘ حيث تبعت العامل إلى غرفتي في الطابق الأول على اليسار بعد أن نزلنا ثم صعدنا بعض السلالم.الغرفة نظيفة‘واسعة فيها جهاز تلفزيون وسريران جيدا الفرش‘ وطاولة وكرسيان وهاتف وشكرته فانصرف وأقفلت غرفتي وأول ما فعلته نزع حذائي ‘هل تذكرونه ‘ذاك الجديد الذي يوجع كعب قدميّ؟ وأخذت دشا دافئا في الحمام الخاص النظيف الملحق بالغرفة من الداخل لأستلقي أخيرا على سريري مستعرضا عشرات القنوات الفضائية الهندية .. منها الإخبارية وتلك المتعلقة بالمنوعات ..ما على مستوى الدولة والمناطقية‘ واستهوتني منها المتخصصة في "الكاميرا الخفية"‘التي باتت سلواي على مدى بقائي هناك. وزاد من معنوياتي اتصال زملاء ابني مرحبين‘إثر علمهم أني أسرع زائر امتلك شريحة.
· بعد فترة نزلت إلى مطعم الفندق وهو مفتوح للجمهور الخارجي أيضا ووجدت شابة رقيقة تجلس وراء آلة حاسبة كبيرة تخرج تباعا شريطا طويلا يحوي حسابات الطلبات كتلك الموجودة لدينا في الصيدليات . أمامي زبائن ما أتاح لي التدقيق في المطعم ‘ الذي يضم نحو 20 طاولة يجلس على بعضها زبائن من الجنسين.في أقصى الزاوية البعيدة فتاتان بارعتا الحسن تتبسمان لي وتتهامسان ..هل أنا المقصود؟ تلفت في الاتجاهات كافة وتأكدت من تركيزهما على شخصي! هل تعتقدان أنني ثري عربي سيغدق عليهما المال والجواهر؟ هل تريدان قضاء السهرة معي؟ بل ما المانع أن تكونا قد وقعتا في غرامي وتتنافسان في الانفراد بي‘ ألم تسمعوا بالحب من أول نظرة ‘حتى إن لم تجربوه؟! لم لا ‘هو أنا يعني ساهل في هذه البلاد؟ كل هذا المنلوج الداخلي جال في خاطري سريعا. الآن جاء دوري فطلبت موافاتي في الغرفة 212 بنصف دجاج مشوي ٍ على الفحم بسلطاته ‘وبعض الفواكه ‘أليس من حقي أن "أولم " نفسي بعد العناء الذي كابدته ؟ صعدت إلى غرفتي بينما تلاحقني عيون الجميلتين‘هل يا ترى ستأتيان ورائي؟! ربما. حلقت مع الفضائيات أكثر من ساعة ولم يظهر شيء‘ أي شيء حتى عشائي المطلوب! يا الله ‘أهكذا يعامل الغريب في بلاد النعمان؟ طردت هواجسي وبنات أفكاري وأرخيت العنان للنوم بعد إحكام قفل غرفتي وإسناد كرسي على الباب من الداخل‘مع ترك الإضاءة مشعة للمزيد من التحوط وأنا أردد : يا يوم بكرة ما تسرع للقاء ولدي الحبيب بعد فراق 3 سنوات ونصف‘ ولا سيما أن مشيمة من العواطف الكثيفة فوق المعتاد تضمني وأولادي.قمت من نومي السابعة صباحا وبعد تهيئة نفسي أسرعت للاستقبال أطلب شايا‘ الذي جاءني ساخنا كالعادة بالحليب فالشاي الأحمر لا يأتيك إلا بتحديده وكان معه فاتورة للتوقيع عليها للحساب لاحقا ‘وحين ذكرت أنني في انتظار قدوم ولدي من محطة السكة حديد ‘فوجئت بالموظف يقول إن الساعة لا تزال بُعيد منتصف الليل ‘يا إلهي لقد أشكل عليّ مؤشرا الساعة والدقيقة وقرأتهما بالمقلوب! ‘إذن تكرم بإيقاظي السابعة‘وعدت لغرفتي أحاول النوم مجددا.وفي الحلقة التالية نتابع المشهد وسر الشابتين‘إلى لقاء.

</B></I>
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.agrteg.8m.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر الدولة : السعودية
الجنسية : سوداني
عدد المساهمات : 272
نقاط : 397

من روائع الاستاذ أنور محمدين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع الاستاذ أنور محمدين    من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 29, 2010 8:47 am

في ضيافة سفارتنا ..(6)
عقارب الساعة تتعانق عند السابعة صباحا وأمامي في استقبال الفندق كوب شاي حليب ساخن يرتفع منه الصهد وأتملى المارة على الطريق الرئيس أمامي عبر الأبواب الزجاجية‘خاصة تدفق الطلاب والطالبات بأزيائهم المميزة نحو دور العلم. يدخل الآن شاب قليل الجرم ‘كثيف الشعر يرتدي بنطلونا لاصقا بجسده ‘يقدم من على دراجته المثقلة بالزهور‘ التي أوقفها عند الباب عقدا أصفر من الزهر فاقع لونه لموظف الاستقبال ‘ قبل أن ينصرف إلى المحال المجاورة فيقول لي الموظف إنهم يتسلمون مثله كل صباح لقاء مقابل مادي شهري‘وحسبت بادئ الأمر أنهم يقتنونه لشم أريجه وتأمل جماله مع انبلاج الصباح ‘لكني علمت ولاحظت لاحقا أنه سلوك شائع ‘متصل بمعتقداتهم الهندوسية‘التي سنعرج على أهم ملامحها لاحقا.
اللحظة يدخل ابني حاملا حقيبة سفره وأشواقه فنذوب في عناق حميمي طويل يتابعه الهنود من حولنا وقد سرت في وجوههم الفرحة أيضا.وبعد السلام وتبادل ما كان نصعد إلى غرفتنا لنترك ما معه من متاع ونتمشى إلى المحال المجاورة ‘فهو لا يحتاج إلى راحة لأنه جاء نائما على سريره في القطار.وأقدم له رصيدي المالي الذي عضضت عليه بالنواجذ لحين وصوله فهو الأدرى بأسعارهم ومساومتهم وكذا بعاداتهم وأوضاعهم‘ فضلا عن إلمامه باللغة الهندية الشائعة في الشمال وإتقانه" التاميل" السائدة في الجنوب حيث يعيش وفي سريلانكا. ومن جميل الطالع أنه زار العام الماضي كل المقاصد السياحية في الشمال في رحلة جامعية بصحبة عميدهم وزوجته‘إذن كل الأمور ميسرة أمامنا لتنفيذ الرحلة التي برمجها جيدا ‘التي ستنقلنا لمنطقة جديدة كل يومين تقريبا ‘علاوة على ترتيبه الحجوزات ‘بجانب شرائه التذاكر اللازمة.وفوضته للتصرف حسبما يرى دون تدخل مني إلا عند ما يرغب في استشارتي ‘فقط لفت نظره إلى أن معظم من سيستضيفونا من السودانيين طلاب لذا طلبت منه أن يتولى الصرف حيثما حللنا وألا يجعلهم يبذلون من أجلنا ماديا ‘يكفينا ترحيبهم بنا ومرافقتهم وإيناسهم لنا في مناطقهم التي يعيشون.
ندخل أستديو لالتقاط صور سريعة نزولا عند طلب المكتب الذي استخرجت منه شريحة الجوال باعتبارها جزءا من مسوغات الإجراء‘وحين كنا في طريق العودة للفندق أبدى ابني تحفظه على الجلباب السوداني الذي ألبسه في زهو‘فهو يقول إن الناس هناك يصنفون من يرتدي الجلباب بال "مش كويس!!"‘لكنه مضى يقول إنهم - مع ذلك- يحرصون عليه في الأعياد والمناسبات.آه‘هنا أدركت سر الشابتين اللتين كانتا في مطعم الفندق البارحة‘إذ هما لم تكونا قد وقعتا في غرامي ولا طمعتا في أموالي ولم تتطلعا لسهرة مع "حضرتي" كما توهمت ‘لكنهما كانت تضحكان على وتسخران من هذا الرجل ‘الطويل ‘العريض الذي لا يخجل ولا "يختشي" من عرض نفسه!! ومتى عرف السبب بطل العجب!
رأيت أن أبدأ تجوالنا بسفارتنا فهي المسؤولة عنا في كل الظروف رسميا ‘والإنسان معرض للسرقة والمرض والموت في الخارج وفي كل المنعطفات يجب أن تكون السفارة - أي سفارة- بجانب المواطن‘فضلا عن أن صديقي عمر الحسين (الهلالية) شجعني على زيارة السفير (بلدياته)‘ وبادر العزيز عبد القادر علقم (القضارف) بالاتصال به موصيا بي. الآن تنطلق بنا الركشا في شوارع دلهي المكتظة بصنوف البشر وكأنه يوم الحشر‘ألاحظ جمال المباني والخضرة والشجر والزهر‘ التي تصافح الأبصار أينما اتجهت وأتذكر كيف أن باكستان انفصلت عن الهند وبرزت مستقلة 1947 بضغط حدة الاختلاف الديني الهندوسي- الإسلامي ونزح على أثره الملايين في الاتجاهين حتى إن مشرف رئيس باكستان الحالي مولود في الهند وفي زيارته لها قدموا له شهادة ميلاده من أضابيرهم وزارت والدته التي رافقته منزلهم الذي ولدت فيه مشرف! ولاحقا انسلخت باكستان الشرقية لتصبح بنغلادش بعاصمتها دكا.
في مكتب استقبال السفارة عشرات من جوازات الهنود ‘الذين في طريقهم للسودان زائرين وعاملين ومستثمرين. نسأل عن نوبي يعمل في السفارة ويقودوننا إلى مكتب الأخ إسحق وهو من جزيرة لبب "مهد المهدي" ‘الذي يرحب بنا بحفاوة وهو الممثل التجاري ومن خريجي الجامعات الهندية‘ ومن أعماله التنسيق بين الهند وشركة جياد العملاقة‘ التي تستورد منها الحديد والصلب وبعض مدخلات صناعة السيارات والجرارات وغيرها .والهند معروفة بجودة حديدها منذ أن تغنى العرب بسيوفها‘ التي شبهوا التماعها بالبسمة على ثغر المحبوبة. والهند في اللغة ال100 من الإبل والسنوات ‘واشتققنا منها أسماء هند وهنيدة ومهند.السفير الأخ عبد الرحمن بخيت يترك طاولته ويجالسنا مرحبا في زاوية من مكتبه الفسيح على أكواب العصائر والبسكويت اللذيذ مع معاونيه‘معتذرا عن عدم تمكنه من زيارتي في الفندق فهو كثير المشاغل مع حركة وفود متصلة من السودان وكانوا بوجودي يراجعون جدول وسكن وفد مرتقب حتى إنه لم ير من المزارات غير بوابة الهند في دلهي إلى الآن‘فشكرتهم على سدهم ثغرة وطنية في دولة مهمة ‘وقال السفير إن جهودهم الرسمية مع جهودنا الشعبية هي التي تعزز موقع السودان في الخارج ‘ولاسيما وهو دبلوماسي عريق عمل في شتى العواصم ‘فقلت إن آباءنا الأوائل يعود إليهم فضل رسم صورة السوداني النظيف‘ الشريف في الخليج تحديدا ونحن نحاول فقط ترسيخ تلك الأبعاد.وقادت "الونسة"إلى زيارة الدكتور عوض الجاز وزير النفط الأخيرة للهند‘ التي اهتم بها الإعلام هنا على غير المعتاد ما يشي بما يعقدونه من آمال على مستقبل السودان والعلائق الثنائية النامية باطراد.وشهدوا للجاز بالهمة والصبر على العمل الشاق دون كلل حتى بعد أن يتسلل من معه تعبا‘ووصفوا الدكتور مصطفى إسماعيل بالمثابرة نفسها‘ وغمرهم فيض من الفرح ببشريات النفط والذهب العظيمة في الشمالية‘ بحسبانها ثروة تدفع تجاه وحدة البلاد.وحين حكيت لهم معاناة وصولي وما دفعته في" الليموزين" ضحكوا وقالوا إنه مبلغ كفيل بإيصالي "تاكسي طلب" إلى مسافة تعادل الخرطوم- مدني! وتكرم السفير بوداعنا خارج مكاتبه مزودا إياي ببطاقته الشخصية طالبا الاتصال به لأي خدمة قد أحتاج إليها .بعده استمات الأخ إسحق لاستضافتنا في بيته فاعتذرنا وخرجنا من أرضنا ‘السفارة ‘الواسعة التي يكسوها نجيل يانع ‘مخضر كالذي في الاستادات العالمية ‘دون استاد الخرطوم! ومضينا متجاوزين السفارتين الباكستانية والأسترالية إلى حيث طلبنا عصيرا جاء مالحا كعادتهم فلفظته على الفور من فمي طالبا تغييره ،وإلى الحلقة المقبلة لننطلق معا إلى معالم دلهي الجميلة.

</B></I>
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.agrteg.8m.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر الدولة : السعودية
الجنسية : سوداني
عدد المساهمات : 272
نقاط : 397

من روائع الاستاذ أنور محمدين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع الاستاذ أنور محمدين    من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 29, 2010 8:49 am

بين غاندي وأنديرا والوزارات ..(7)
بعد مساومة قصيرة بين الابن بسام والسائق نقلنا ب "ركشته" إلى متحف المهاتما غاندي‘القانوني وداعية الاستقلال الأشهر الذي درس في بريطانيا وقاوم سلميا احتلالها بلاده وأصبح نبراسا للدنيا بأجمعها .ها نحن نترجل ونلمح تمثاله ينتصب في ساحة الدار وندخل القاعات ونتفرج على صوره بملابسه الإفرنجية الكاملة حين كان طالبا في لندن ثم محاميا في جنوب إفريقيا‘ وبإزاره البسيط الذي كان ينسجه على نوله الخشبي الماثل أمامنا ليضرب بنفسه المثل لأمته في الاعتماد على الذات ونبذ المستورد ليضرب المستعمر في عصبه الاقتصادي‘فضلا عن اعتماده على ألبان غنمه التي كان يعتني بها. وهو الذي صمم الساري ملبس الهنديات اللطيف الذي يشبه ( التوب) السوداني برهافته وألوانه الزاهية وقد تعمد أن يترك في المرأة ما بين السرة والخصر عاريا وكذا بين الكتفين فيما يشبه شكل القلب أو المنقلة حتى يخفف من غلواء لهاث الشباب وراء الجنس الناعم فينصرف للإنتاج والإبداع. ولا ريب أنه استمد فكرته من خلال معاصرته الحياة في أوروبا وكيف أن الجنس ليس شاغلا للناس هناك كما هو الحال في الشرق. بالمناسبة لماذا نهجر التوب السوداني الجميل!؟ هنا نطالع أبرز أقواله ‘التي ذهبت حكما للأجيال ومقتنياته الشخصية ونتملى في صورة تجسم ممارضته والده الممدد على فراش الموت بنفسه وهو الشهير الجهير‘ ما يشي بإنسانيته العالية وبره بأبيه‘والغريب أنني سمعت أن قلة هنا تراه أخطأ وأنه لو أمهل الإنجليز لنهضوا بالهند أكثر مثل سنغافورة !وصحيح أن سنغافورة الميناء والمدينة والدولة في آن مزدهرة اقتصاديا وتسجل أعلى مداخيل العالم من حيث نصيب الفرد ولكن تنعدم المقارنة بين الفيل الهندي والنملة ‘وحقا لا يمكن إرضاء كل الناس! لكن الجميل أن الغالبية الساحقة تدين له بالعرفان. ونتوقف عند مشهد إحراق جثمانه الناحل بخشب الصندل وفق الطقوس الهندوسية‘ ما يشبه النار المستعرة التي تأكل بعضها بين كتل السنط في مخابزنا البلدية! وهنا تمتمت:
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه * يحور رمادا بعد إذ هو ساطع
الزحام على أشده والزوار من أفراد وجماعات من كل الأجناس والأقطار يتدافعون حول المعروضات في الصالات العديدة ‘ونخرج بعد أن نلتقط صورا تذكارية وهو ما حرصنا عليه في كل مراحل الرحلة المثيرة.
يبدو أننا سنمضي سحابة النهار في المتاحف ‘فها نحن نلج متحف أنديرا غاندي رئيسة وزراء الهند الأسبق‘ الواقع في الشارع التالي ونتوقف عند ملابسها وثوب الساري‘الذي كانت تحرص على التزيي به ونمر على غرف منزلها الكاملة..هذي صالة الطعام وتلك غرفة النوم بكل محتوياتهما.المكان مزدان بصورها التي جمعتها بقادة العالم ‘فنتوقف أكثر عند التي ضمتها مع قادة استقلال إفريقيا وحكمائها مثل جومو كنياتا (كينيا)‘نايريري (تنزانيا) ..إلخ..مكان آخر يختص بعرض الهدايا والنياشين التي قدمت لها..منها ما جاءت من ليبيا‘وهم يقدرون دور القذافي في دعم بلادهم في كارثة حلت بها في تلك المرحلة ‘إنه الوفاء.وأمامنا سيوف مذهبة من السعودية.بالمناسبة لماذا لا تعرض الهدايا والنياشين التي قدمت لزعمائنا للجمهور!؟ وفي المعرض جناح خاص بابنها راجيف الراحل وزوجته الإيطالية الأصل سونيا ‘قائدة الحزب حاليا.في الباحة الخارجية آخر أمتار قطعتها أنديرا في الدنيا والنقطة التي أغتيلت فيها بدت حمراء وقد اقتطعوها من موقعها الأصلي وجاءوا بها إلى المتحف صونا للتاريخ وجذبا للزوار وتعزيزا للدخل القومي ودرسا للأجيال بينما نحن نزيل آثار السابقين وكأنها ليست من مكونات تاريخنا!
الآن تأخذنا جولة على العاصمة الهندية ‘البالغة الضخامة إلى مبنى البرلمان والهند أكبر ديمقراطيات العالم الثالث وأكثرها رسوخا‘ وهو مبنى جميل يأخذ الطابع الدائري وتكاد تخفي قطاعات منه الأشجار المورقة الظليلة وحوله عدد من الوزارات الاتحادية الفخمة المشيدة منذ عهد الاستعمار ‘كما هو الحال في الخرطوم. نترجل أمام مجلس الوزراء المجاور ونختلس سريعا لقطات بالفيديو والعدسة الفوتوغرافية وأمام البوابة تربض مدافع قديمة تأريخية. وخفت قليلا إذ علمت بحدوث بعض الانفجارات هنا في أوقات سابقة. والهند بلاد قارة يقطنها نحو مليار و250 مليونا من البشر‘أي أربعة أضعاف سكان العالم العربي تقريبا ولذا كان من الطبيعي أن يكون بين نحو ال70 وزيرا مركزيا وزير الطعام‘وما أثقل مهمته! ولإطعام هذه الأفواه التي لا تحصى يمدون المزارعين بالطاقة الكهربية المنتجة بالسدود والمساقط المائية والقوة النووية مجانا ‘كما يستوعبون أفضل خريجي الثانويات في كليات الزراعة ‘المفضلة على ما عداها وظيفيا ومردودا ماديا ليتحملوا عبء التخطيط لغذاء وفير كفيل بسد الحاجة الهائلة ‘ليس هذا فحسب ‘بل إنهم يحجرون قبول الطلاب الأجانب في كليات الزراعة‘التي يعدونها استراتيجية في تأمين اللقمة الضرورية وتندلع أعياد الحصاد في المواسم صاخبة بالدفوف المدوية والأهازيج الصادحة والألعاب النارية الملعلعة ليل نهار ما يترجم احتفائهم العالي بالزرع وارتباطهم بالأرض. ولفت انتباهي أن هناك وزيرا للسكك الحديدية ‘التي تعد شرايين البلاد الرابطة أجزاءها المترامية الأطراف ‘ بجانب شبكة الأسفلت العنكبوتية‘ وهي قطارات سريعة ومتقيدة بمواعيدها عكس قطاراتنا المتعبة التي تحتاج إلى ثورة. ولأن مسافاتها شاسعة معظم عرباتها نوم ‘وهي تندرج في مستويات : بتكييف وطعام أو دونهما وكل بحسابه .وفي كل غرفة 8 أسرة ..أعلى وأسفل وما بينهما يطوى مسندا للظهر بالنهار‘ويبسط سريرا في الليل أو عند الحاجة مستغلين كل المتاح من مساحة‘ ويخصصون عربة لذوي الحاجات الخاصة كالمعوقين وكبار السن‘ "آها دي العظمة"! وهي تنقل الملايين يوميا ‘أي أكثر من سكان قطر والبحرين والكويت مجتمعة‘أكرر" يوميا"!
في الحلقة التالية سنرتاد سوقا غريبة وموقعا جاذبا للعشاق اليائسين‘كما سأبدأ في نشر صور مصاحبة تباعا ‘إلى اللقاء.

</B></I>
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.agrteg.8m.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر الدولة : السعودية
الجنسية : سوداني
عدد المساهمات : 272
نقاط : 397

من روائع الاستاذ أنور محمدين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع الاستاذ أنور محمدين    من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 29, 2010 8:50 am

في أغرب الأسواق وقطب منار .. (Cool
ترجلنا من عربة الركشا لنتجاوز بضائع تجار جائلين يعرضونها على عربات يدفعون بها أمامهم مثل ما هو الحال في الأسواق الشعبية لدينا أو في ساحة المولد في السجانة لحظة انطلاق البصات للبلد أو عودتها منه,لنصعد ربوة مكسوة بالنجيل الأخضر تتخذ شكل الجرس المقلوب‘ والناس يجلسون في أنحائها جماعات ووحدانا يتسامرون ويستريحون والعشاق يتبادلون الغزل.الآن نحن على قمتها المنبسطة وأفاجأ بوجود باب يجلس عليه حارس من الداخل يتفرس فينا ويستوثق مما نحمل ويسمح لنا بالنزول بدرج إلى أسفل لنجد تحت الأرض سوقا شعبيا هائلا دونه سوق ليبيا في أم بدة أو سوق" اللفة " في الكلاكلة أو "سعد قشرة " في بحري! وهو يتخذ شكل دوائر متداخلة‘ كل منها تختص بسلعة .هنا العطور بأنواعها وهناك الأقمشة ..إلخ. نتوقف في قطاع الأحذية لأنتعل "صندلا" جلديا طريا وأنيقا بسعر رخيص ليريحني من حذائي الذي أتحامل على ألمه‘الذي سرعان ما أقذف به في قاع كيس بلاستيكي .وفي متاجر الملابس الجاهزة أقتني عدة بناطلين وقمصانا إفرنجية بأسعار زهيدة‘ فلاحقا في مدينة في شمال الهند وجدنا في "مول"حديث فخم مثل "عفراء"في الخرطوم القميص الواحد من الصنف نفسه بقيمة نصف الدستة الذي شريناه هنا! فالأسواق في هذه البلاد فضاء فسيح من المنافسة عبر قانون العرض والطلب.
هذا السوق العجيب يسمى "بليكا بازار" وهو شهير فحين اتصلنا بصهرنا في المدينة المنورة‘الذي درس في الهند ‘أوصانا بزيارته فقلنا له إننا الآن في قلبه! وهو مكتظ ليس بالسلع الحديثة فحسب ‘بل بالصناعات التقليدية والمشغولات الحرفية المختلفة.وألحظ فيه وجودا كبيرا لمواطني التبت بأزيائهم القانية الاحمرار‘التي يتسربلون بها وكثير منهم فروا من منطقتهم العظيمة الارتفاع ‘التي توصف بسقف العالم إثر النزاع الحدودي الدامي بين العملاقين الجارين الهند والصين لتكتسحها الصين ويفر زعيمهم الدلاي لاما بأتباعه.وهم من أنصار البوذية .. الدين الوضعي الهندي واسع الانتشار في الشرق الأقصى ‘الذي ظهر منذ نحو 500 سنة قبل الميلاد ليسبق المسيحية والإسلام‘وهو يدعو إلى جملة من الفضائل ويؤمن بتناسخ الأرواح وبأن الدنيا دار شرور ومكابدة ومعاناة لذا يميلون للزهد فيها ‘ولا يؤمنون باليوم الآخر والحساب .وهؤلاء الذين نراهم أمامنا يعدون لاجئين وفق الأعراف الدولية لحين حل المشكل وإعادتهم إلى أوطانهم الأصلية في مرتفعات الهملايا.
نخرج من السوق‘المغارة لنأخذ طريقنا إلى معلم سياحي آخر ‘هو قطب منار‘الذي تنتصب منارته المستديرة الشاهقة تشق عنان السماء وحولها قصور أثرية عظيمة ورواب ٍ خضراء تتوزع فيها أشجار مختلفة ظليلة ‘منها شجرة النيم التي تعد الهند موطنها الأصلي‘ منها جاءت إلى السودان وغيره وينتفع بها ومنها أهل هذه البلاد كثيرا حتى في الطبابة.وقد أتت صاعقة على قمة هذه المنارة فأعيد بناؤها ‘واتخذ منها العشاق اليائسون‘البائسون مكانا ملائما للانتحار بالسقوط من علوها الهائل فمنع الصعود إليها وأغلق بابها.هنا تتعايش أسراب الحمام ‘والببغاوات الملونة وبعض طيور الزينة ما يضفي على المكان سحرا وجمالا.وتسرح وسط أشجارها السناجيب وهي شبيهة بالفئران ‘غير أنها أطول ذيلا وأكبر حجما وبمستطاعها تناول غذائها برجليها القداميتين‘ رافعة صدرها ‘وهي تتكاثر في هدوء ‘حيث لا يمسها الناس بسوء لارتباطها بثقافتهم العقدية.
بعدئذ ننطلق إلى بوابة الهند ‘وهي بناء ضخم مثل بوابات المدن العربية القديمة التي زرتها في القاهرة والرياض وصنعاء . وعلى واجهتيها كتابات زخرفية تحكي الملاحم البطولية التي خاضتها الأمة الهندية وعلى مقربة منها صرح آخر جميل لا يقل عنها بهاء وحولهما ميدان واسع مخضر يزدان بالنوافير الموشوشة بهمس المياه المتساقطة والغدران والأزهار النباتية والبشرية ‘فحولنا الجميلات من مختلف الجنسيات يملأن الساحات المديدة‘ والمكان شبيه بالساحة الخضراء في الخرطوم‘غير أننا هنا غريبا الوجه واليد واللسان! ومن حولنا على البعد تنساب الحركة المرورية في بلد يعد الثاني في سرعة نمو سوق السيارات مع ارتفاع دخول الناس المطرد‘وإنتاج أرخص سيارات العالم ‘فالشعبية منها تكلف زهاء 10 آلاف ريال سعودي‘أي ضعف قيمة موتر فقط!
بعد الجولات العديدة التي استغرقت النهار بطوله ها نحن نعود إلى الفندق مع هبوط المساء لنجد مندوب مكتب "طيران الاتحاد" وقد جاء بحقيبتيّ اللتين تخلفتا عن سفريتي منذ يومين معتذرا ‘مضيفا أنه توجه بهما أولا - قبل اتصالنا بهم وتزويدنا إياهم بعنوان الفندق وموقعه- إلى السفارة السودانية التي دونتها عنوانا لي لديهم ‘حيث قوبلوا من الاستقبال بأنني شخص "غير معروف لديهم"‘ وما كذبوا. وبعد تأكدي من سلامة محتوياتهما وقعت على ما يحمل من مستند بالتسلم ‘ولم يكتفوا بهذا ‘بل اتصل مسؤول المكتب اليوم التالي ليطمئن على تسلمي أمتعتي كاملة ما مسح عني غبن التأخير و"عقبال ناسنا"!
في الحلقة التالية سنشاهد معا أجمل مقصد سياحي في العالم ‘إلى الملتقى ودمتم لي.

</B></I>
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.agrteg.8m.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر الدولة : السعودية
الجنسية : سوداني
عدد المساهمات : 272
نقاط : 397

من روائع الاستاذ أنور محمدين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع الاستاذ أنور محمدين    من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 29, 2010 8:51 am

التاج محل ..محراب الفن والحب..(9)
لم يدر بخلدي يوما وأنا أدرس وأُدرِّس قصة الحب الخالدة والوفاء النادر أنني سأزور الموقع وأقف عليه بنفسي! ولكن كم من بعيد يضحي قريبا والعكس! ففي أول خروج لنا من العاصمة الهندية الزاخرة بمعالم عديدة مثل مسجدها الجامع العريق‘ الذي يحوي بعض خصلات من شعر رسولنا الكريم ومتعلقاته صعدنا حافلة كبيرة عتيقة أشبه ببصات الديوم الغربية على أيامنا سرعان ما امتلأت بعد أن أودعنا جل أمتعتنا لدى أصدقائنا الجدد في استقبال الفندق.كان الوقت نحو الثامنة مساء والحافلة تشق طريقها في الزحام الذي يكتنف الحركة‘ بينما رحت أتلفت يمنة ويسرة عبر النافذة أنظر في العمارات‘الفلل ‘المدارس ‘المعاهد ‘الكليات ‘الشركات‘المؤسسات ‘وحتى المصانع على الجانبين وكأني في طريق الخرطوم- مدني ‘لكن الفارق هنا امتداد العمران والمباني في معظم المسار‘ وأنوار النيون الساطعة الشفافة والملونة تتيح الرؤية لما بعد حواف الطريق.حافلتنا لا تكف عن التوقف لإنزال راكب هنا واستقبال آخر هناك‘ والمواتر تمرق حوالينا منطلقة كالسهم تسابقنا ‘التي يرادف فيها السائق دائما زوجته أو "غيرها"! والرديفات.. هذه بالجينز وتلك ب"الساري"الملون الجميل وفي الحالتين الشعر الناعم الحريري يراقصه الهواء.الآن نتوقف لتناول العشاء في مطعم على جانب الطريق وغيرنا كذلك وتذكرت ههنا محطاتنا في التمتام وأم الحسن وودباهي وزاد قراصة التمر "الخميرة" ولكن هيهات فليس أمامنا هنا سوى الأطعمة الهندية الكثيفة التوابل والكركم الملون ‘فضلا عن رائحة غير مستساغة لي تملأ الخياشيم تبغضني في تناولها فأطلب من الابن بسام ‘الذي يتفانى في خدمتي أن يأتيني برز أبيض خال من الإضافات أو زبادي وبعض الفواكه! إذ لم يضايقني على امتداد رحلتي الماتعة‘المثيرة للهند سوى الطعام الذي لم أجد مبتغاي فيه إلا لدى نزولنا عند طلابنا .
زحف الليل نحو منتصفه ونحن على مشارف مدينة أقرا..حاضنة المعلم الخالد التاج محل ولا غرو أنها استمدت زخمها وازدهارها من تدفق السياح من الداخل والخارج على مدار العام.بعد توقف الحافلة في محطتها النهائية أو كادت أخذنا "ركشا" إلى فندق فخيم قضينا في طابقه الرابع ما تبقى من الليل وصحونا عند الثامنة لنتهيأ ونلم أغراضنا ونحاسب الفندق المرتفع التكلفة إلى آخر متوسط‘ نظيف‘هادئ غير أن الشارع الفرعي الذي يمتد منه إلى داخل الحي لا يخلو من أوساخ ومياه نتنة ‘بل بقرة أمام البيوت هائمة! والتعايش مع بعض القاذورات كان أحد أسلحة غاندي السلمية ضد المستعمر فلأنه عاش في الغرب ويدرك تعلقهم بالنظافة والنظام وتأففهم من الأوساخ وجه مواطنيه بمضايقة الإنجليز بها‘وفي النهاية رحل المستعمر صاغرا ولم يغمد السلاح ذو الحدين في غمده بعد إلا جزئيا!
الآن نحن أمام بوابات التاج محل نتناول فطورنا ونحمل في كيس بعض الفواكه وقوارير مياه‘ وندخل مسجدا مجاورا لغسل الأيدي فنجد رهطا من الناس سبقونا إليه ‘قالوا إنهم أتراك من إسطنبول.إنهم سلائل حضارة إسلامية غابرة يزورون معلما إسلاميا لحضارة مماثلة.نهر الزوار الزاحف يمتد مسافة 100 متر على الأقل خارج المدخل‘وعلى اليسار مدخل خاص بالأجانب أقل عددا‘ غير أن تعرفة دخولهم أضعاف ما هو مقرر للهنود ‘وكذا الحال في كل مقاصدهم السياحية ال 120‘ حيث يزودون الأجنبي بخف ينتعله ومياه معبأة يشربها. نتجاوز الحراس أولا الذين يطمئنون مما نحمل ثم بعد أمتار الجنود المكلفين بمراجعة تذاكرنا .دورات مياه نظيفة لامعة على اليسار للرجال وأخرى لنون النسوة وهي مؤشر عظيم الأهمية يبين إن كانت البلاد مهيأة للسياح.نأخذ طريقنا مع النهر المنساب من البشر من كل الدنيا.المصورون المحترفون يحاولون اصطياد زبائنهم غير أن كثيرين مثلنا يحملون كاميراتهم المختلفة الخاصة لتوثيق زيارتهم التاريخية لأهم مزار سياحي ‘الذي لا ينافسه سوى سور الصين العظيم ‘الذي يعد المعلم الأرضي الوحيد البادي من سطح القمر لطوله البالغ .
أمامنا صرح شامخ تتوسطه بوابة رحبة نتجاوزها لنجد في الواجهة مبنى التاج محل البالغ السحر ‘الذي يجل وصفه فنقف مشدوهين من روعة المنظر وبديع الصنع ونلتقط صورا عديدة قرب حوض مائي مملوء بمياه لازوردية ‘تحفنا الأشجار الباسقة والزهور الناعسة والعرسان في ثنائيات جميلة يملأون المكان بنية التبرك والتفاؤل بأن تكون حياتهم المقبلة ممزوجة بالحب العميق والوفاء النبيل مثل ذلك الذي جمع بين قلبي الأمير العاشق وزوجته الجميلة ‘التي بنى هذا القصر تخليدا لذكراها فور وفاتها التي هزته ‘ويحكون أنها كانت بارعة الحسن‘ بيضاء البشرة حتى بالغ الرواة بأن السائل الذي تشربه كان يستشفه الرائي الذي يجالسها!
ندخل القصر المنيف ثماني الشكل لنجد الآيات القرآنية بخط زخرفي بديع على الجدران ‘التي تزدان برسومات فسيفسائية ونقف طويلا عند ضريح الأميرة‘ التي ضربت شهرتها الآفاق بفضل هذا المعلم الفريد.نخرج من القصر في جولة حوله فنجد خلفه نهرا موسميا انحسرت مياهه إلا من بعض البرك والمستنقعات التي تملأ سطحها الأوراق المهملة وأكياس البلاستيك في مشهد صارخ للتلوث الذي نخشى منه على النيل سليل الفراديس.والمنظر ذكرني بالنيل عند مدينة دنقلا زمن انحسار النيل ووراء الخور الرملي الجاف جزيرة المساكين الناعسة والمزارعون في كدهم اليومي وراء لقمة العيش الشريفة.
بعد استراحة تحت ظلال الأشجار المورقة ‘التي يعكف عمال على تشذيبها نخرج عند الأصيل والشمس ترسل أشعتها العسجدية ونسير في موكب الخارجين وأنا أتلفت أحاول ملء عيني من هذا السحر الجميل سائلا نفسي :هل من عودة؟ فتجيب دواخلي:نعم‘ قريبا.لكن ما مصير الأمير العاشق؟ هذا ما ستكشفه الحلقة التالية‘إلى لقاء.

</B></I>
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.agrteg.8m.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر الدولة : السعودية
الجنسية : سوداني
عدد المساهمات : 272
نقاط : 397

من روائع الاستاذ أنور محمدين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع الاستاذ أنور محمدين    من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 29, 2010 8:51 am

قلعة أقرا..مطارح الغرام ..(10)
عند التاسعة صباحا حاسبنا الفندق متوخين الرحيل قبل منتصف النهار حتى لا يضاف إلى فاتورتنا يوم جديد ‘كما هو متبع في الفنادق‘ لنحمل متاعنا منطلقين إلى قصر الأمير شاه جيهان حيث عاش مع زوجته بارعة الحسن ممتازة قبل أن يخلد وفاتها بتعسر ولادة طفلهما ال 14 ببناء التاج محل. كالعادة الزحام على أشده وندخل عبر بوابة ضخمة بالضوابط نفسها المعهودة ويتلقانا من يطلب إيداع متاعنا في مكتب الأمانات فنفعل ونتسلم مستندا به لقاء رسم زهيد. الممر إلى الداخل في وضع متصاعد حتى نجتاز بوابة أولى وأمامنا في الباحات الفسيحة عشرات المصورين والكاميرات تصطاد لحظات الزيارة التاريخية. الهنود بدورهم يتدفقون بغزارة فهم أيضا يستكشفون مناطق بلادهم الواسعة مثلنا ."الخواجات" لهم في كل موقع وجود ملحوظ‘ خاصة البريطانيين..المستعمرين السابقين ‘حيث بقي منهم نحو 40 مليونا يستوطنون هنا‘قدر سكان السودان‘ واكتسبوا جنسيتها وتزاوج كثيرون وتلاقحوا وأصبحوا جزءا من الفسيفساء الهندية ‘التي شعارها دائما : تنوع الوحدة ووحدة التنوع.
نطوف في أرجاء القصر الكبير ‘هنا الزخرفة المتعرجة‘المتماوجة على الجدار وراء الماء الشفاف المتساقط يجعله يبدو وكأنما هو يتدفق عكس قانون الجاذبية من أسفل إلى أعلى ! هذه هي غرفة الزينة والمكياج‘ وبجانبها حمام الأميرة الخاص حيث حين توقد شمعة واحدة يراها الناظر - بالحيل الفنية المبدعة- كأنها عشرات الشموع المضاءة تنعكس أضواؤها لتزرع البهجة والحبور. وبمثل هذا الصرف الباذخ عدوه مسرفا فحبسه ابنه الكبير في هذا القصر نتيجة الفتن إثر تشييد التاج محل ‘الذي يقع على بعد نحو كيلو متر واحد على اليسار .إذن هذا هو الصحن الأسمنتي ‘الذي يتوسطه وتد من الحديد غليظ ربط فيه‘ في صالة تطل على مبنى التاج محل المرمري من على البعد عبر "مشربية" فنية مفتوحة زخارفها لتأكل الحسرة قلبه كلما لمح القصر الباذخ ويلوم نفسه ويؤنبها على الإسراف على حساب الشعب! أو لم يتكرر في عالمنا العربي اعتقال فلذة الكبد أبيه ومصادرة حكمه إرضاء للشعب؟ هذا القصر البهيج الآسر ذو القباب الجميلة والحدائق الزاهرة‘الذي شهد أروع قصص الحب وأشهرها على الإطلاق رسمت فيه كذلك صور الآهات والدموع‘ فليلة وفاة أميرته الغالية اشتعل رأس الأمير شيبا من هول الفجيعة! وههنا اتحدت شهوة الثروة وصولجان السلطة وطغيان الجمال لتشهد هذي المطارح الحياة في ذرا إشراقها وألقها وبهائها قبل أن تنقلب طاولة الأقدار ويحل التفرق وتزرع الدسائس ويزول الجاه .. ويا لمقادير الزمن فإسرافه الذي كان مذمة وقتذاك يدر على الخزانة العامة اليوم الملايين سنويا ‘ويا للمفارقة‘فالهند تجني من السياحة أكثر من كل عائدات ميزانية السودان! فضلا عن صادراتها التي بلغت 2007 ‘ العام الماضي 74 مليار دولار! فالتاج محل الأسطوري وحده يتدفق عليه أكثر من 3 ملايين زائر سنويا.
هنا لوحة تحكي كيف حافظ أحد البريطانيين على هذه القصور من العبث عند احتلالهم الهند بعد الممالك الإسلامية ‘التي دالت طويلا ‘مخلفة آثارا من الإبداع والفن خالدة. وأذكر كيف أن الرائد هاشم العطا حين خاطب اللقاء الجماهيري في دلقو ندد بالاستعمار الإنجليزي بثورية معلقا على المسلة‘ التي بناها الغزاة في بلدة سبو تخليدا لحقبتهم! أتراها قائمة الآن أم أطاح بها الإهمال والإتلاف؟ ونخرج لنطل على النهر شبه الجاف وعلى اليسار جسر حديدي يشبه كبري النيل الأزرق التليد في الخرطوم . وألحظ زحف الحشائش البرية لتعانق زوايا القصر‘ الذي يحتاج إلى تجديد وصيانة. وقبالنا على الضفة الأخرى حدائق وخمائل إلى ما لا نهاية ونوافير صادحة ‘مياهها يقذف بها الاندفاع إلى العلا وتلاميذ المدارس الزائرون يملأون الرحب ‘يتفرجون عبر نهر يامونا على جزء من تاريخهم العظيم.إنه الجغرافيا الحية والتربية الوطنية بجلوكوز المشاهدة‘التي يدوم أثرها طويلا.
الآن نقف على شرفة القصر ونرسل أعيننا عبر الشجر والبيوت لتصافح مبنى التاج محل الخالد رغم غلالة الضباب ..إذن كان حدسي صادقا أمس حين صاح في داخلي بأنني لا شك آت من جديد لزيارته‘ ولحظتها لم أكن أعرف أنها ستكون بهذه السرعة الرائعة ‘لكم كنت محظوظا هذه المرة! و يسترجع الابن بسام التاريخ في دهشة كيف وصل الإسلام إلى هذه البقاع النائية حتى بمعايير اليوم واستطاع - رغم تخلف الاتصال والمواصلات- بناء هذه الحضارة العظيمة ؟ ترى هل يستدير الزمن دورته ونشهد مجدا للإسلام جديدا؟ الآن يزف الظهر ويظهر من يدعونا للصلاة بلغة عربية ممزوجة بهندية معرفا نفسه بالإمام! إن آسيا مهد الإسلام ‘لكن قارتنا إفريقيا الوحيدة‘ التي تفوق فيها أعداد المسلمين50% من السكان‘فوق أنها تضم ثلثي العرب.
نتسلم متاعنا بيسر ونعلقه ك "الخواجات" من حولنا على الأكتاف و"ما فيش حد أحسن من حد" ونمضي مع المنصرفين إلى الخارج بعد التملي في أحد أجمل قصور التراث المعماري ‘المغولي ‘الإسلامي لتواجهنا محال بيع الأناتيك والمصنوعات اليدوية الدقيقة‘ التي يقبل عليها الزوار تذكارات للزيارة.وهي تتكرر أمام كل مقاصدهم السياحية.ونتجه لمعروضات الفواكه نشتري ما يلزمنا ‘وهي بلا حصر ‘ولاسيما المدارية والاستوائية‘بدءا بفاكهتي الطماطم والأناناس ‘مرورا بثمار جوز الهند‘ وليس انتهاء بالمانجو ‘والأخير موطنه الهند ويعترف تجاره هنا بأن المانجو السوداني هو الوحيد الذي ينافسهم خليجيا جودة.
على متن "ركشا" نصل موقف المواصلات الرئيس فيقترح بسام أن نركب "بص نوم"! وأكتشف وجود أسرة على بعض الحافلات التي تسافر بعيدا ‘ولكني أختار الحافلة العادية لأتمكن من المشاهدة وأستمتع بمعالم الطريق وأنقلها لكم ..ترى أين وجهتنا ؟ وما الذي سنراه؟ إنه مدار حديثنا التالي ‘فترقبوا.

</B></I>
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.agrteg.8m.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر الدولة : السعودية
الجنسية : سوداني
عدد المساهمات : 272
نقاط : 397

من روائع الاستاذ أنور محمدين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع الاستاذ أنور محمدين    من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 29, 2010 8:52 am

إلى جيبور عاصمة راجستان ..(11)
غادرنا مدينة أقرا مقر التاج محل ‘معناه قصر التاج‘ والحافلة الحديثة تتوقف هنا وتتحرك بين تنزيل وإركاب‘ والبيوت تبدو صغيرة ‘محدودة ‘متلاصقة. وأحيانا أقيمت في غير ما ترتيب وتخطيط. والأبقار السمان ترابط أمام البيوت أو تسرح بينها ونشاهدها تستخدم في الأعمال الزراعية وينتفع بمستخرجاتها عكس ما كنت أتصور فوحدها بقرة المعبد الهندوسي‘ التي ينتقيها الكاهن بعناية ومواصفات محددة هي المقدسة مع إجلال عام للأبقار عامة وحتى سائر الحيوانات طبقا لمفاهيم الهندوسية‘ التي تؤمن بتناسخ الأرواح ‘أي أن الإنسان حينما يموت جسده تنتقل روحه لتحل في جنين بشري أو حتى في أي كائن آخر مثل جرذ مثلا ومن هنا هم نباتيون ومن العسير أن تجد مطاعم تقدم لحوما.السواسيو الصفر وراء أماتها في جماعات "تقدل" في الساحات وترعى قطعان الخنازير وتتقافز الماعز وترتع الخراف وقام بعضهم بتلوين صوفها ‘ربما لإعلاء شأنه عند جزه وبيعه! وهنا أنشدت للشياه مع الشابي:
وامرحي ما شئت في الوديان، أو فوق التلال
واربضي في ظلها الوارف, إن خفت الكلال
وامضغي الأعشاب، والأفكار في صمت الظلال
واسمعي الريح تغني ، في شماريخالجبال
***

أما الجمال فتزين بحرص وتجر الأحمال مثل ألواح الحجارة‘ التي يحذق الأهالي هنا نحتها وصنع التماثيل منها وبها وها هي اللوحات الفنية الناطقة بالجمال معروضة تباع على امتداد الطريق.ويستفاد من الحجارة في تشييد البيوت وفي رصف الطرق ‘حيث توضع عليها طبقة القار ‘أي الأسفلت فتتماسك بالمطر الذي لا يخلف وعده هنا ‘حتى في هذه القفار ‘فراجستان صحراء بمعايير الهند المطيرة ولكنه يشابه بقاع الإقليم الأوسط لدينا فعندما اتصلنا بالابن محمد في الرياض وعلم بموقعنا قال من منظور معلوماته الجغرافية: أفلا تسيرون في خلاء؟! ألاحظ أن الفلاحين يستخدمون الأنابيب البلاستيكية في ري الحقول ‘أي مباشرة للحياض وتصوروا كم يستفيدون بتفادي إقامة الترع والجداول ‘التي تزيل طبقة التربة العلوية الخصبة وتحتاج إلى حراسة "خولي" وتأكل أرضا عزيزة ‘ولا سيما في الحيازات الصغيرة كالشمالية‘يا ليتنا نستفيد من هذه الحيلة الاقتصادية للماء والوقت والجهد والمال‘وأرى الطلمبات تنبح رافعة الماء من مستويات دانية‘ أليست معظم ماكيناتنا في السودان هندية..الساقية‘ الشادية منها والطاحنة؟ وفي الأفق نخلات ضامرة ‘حائرة ووراءها الجبال والتلال التي تلتهمها الآليات لجلبها إلى معامل نحت الصخور المنتشرة‘بجانب مصانع الأسمنت ..ما أكثرها وأرخصه! ومعامل الرخام والطوب الأحمر. والأشجار تياهة على الروابي وفي حضن الصخور وحتى داخل الحواشات.والتقليد يتعانق هنا مع الحديث فأمامنا النساء يقمن بتذرية المحاصيل بالهواء‘أي عزل التبن من الحبوب‘كما هو شأن النساء لدينا .وهنا عناقريب الخشب العادية ‘المنجورة بالقدوم‘ و بعر الأبقار والحمير يجمع في صفوف لبيعه كوقود! إنه طاقة رخيصة في بلاد لا ينقصها سوى النفط! وهنا كذلك "مقاشيش" الكنس الآتية من معطيات البيئة‘ تماما مثل ما لدينا‘ والحبال بنوعيها ‘المنتجة من نبات الحلفا وبليف النخيل وحزمها تباع في الأسواق‘ طبيعية ومبرومة‘ مفردة ومزدوجة كالتي تستخدم في الآبار وربط المراكب‘ فهي أرخص من الحبال الصناعية وأعلى صحية.
مررنا في الطريق الذي امتد نحو7 ساعات بعدة قرى ومدن ثانوية وأثناء السير استعنا بالجوال وبرنامج "إيرث قوقل" ووقفنا عند بيتنا في قريتنا النائية في أقاصي شمالي السودان وتفحصنا بأعين الشوق بيوتها الهادئة مستعرضينها مع "ونسة "عن أهلنا الطيبين ‘الوادعين‘القنوعين فيها‘ إنه عصر الاتصال والتواصل ‘ألم تبع مليار جوال خلال العام الماضي وحده عالميا؟ الآن مع حلول المساء ندخل مدينة جيبور ‘التي فوجئت بجمال مبانيها وعلو عماراتها وازدحام حركة المرور في أوصالها. يبدو أنها تكتسي أهمية عالية فهأنذا أرى مقار الشركات المحلية والدولية ومكاتب الطيران مثل مكتب "الكينية " وخطوط عمان ومكتبها اليتيم‘ الذي جاءت لوحته باللغة العربية ‘طبعا بجانب الإنجليزية.ويقودنا صاحب ركشا إلى فندق فيعتذرون لانشغال كل أسرته ‘وإلى الثاني فيتضح اقتصار ترخيصه على استقبال الهنود فقط ‘ولكل مواصفاته ورسومه بالطبع‘ ويرحب بنا الثالث متخذا الإجراء الروتيني بتسجيل بياناتنا في دفتره السميك من خلال جوازي السفر وقد استبد بنا الرهق ونلوذ بغرفة مطلة على الشارع في الطابق الثالث‘ وبعد استراحة قصيرة نصعد إلى الطابق الخامس ‘الأخير حيث مطعم إيطالي مكتظة شرفته بالخواجات من الجنسين ‘الذين يعبون الكحول مع العشاء‘فنتفادى هذا الجو الملبد بالدخان والقهقهات‘ ويؤتى لنا بلحوم وفواكه حيث نحن في الصالة الداخلية الفخيمة‘ التي توجناها بعصائر طازجة .ونمضي إلى محطة السكة حديد الفارهة لحجز مقعدي العودة إلى دلهي بعد يومين ونتجاوز صف الهنود الطويل أمام شباك التذاكر إلى آخر مجاور‘ قصير خاص بالصحافيين‘ المقعدين ‘المسنين فوق ال 60 عاما "بالمناسبة لماذا لا نعفي هذه الشريحة الغالية من رسوم جمعياتنا إكراما؟"‘قدامى المحاربين‘ والأجانب" إنه نوع من تدابير الجذب السياحي‘غير أني لاحظت عدم تمييز المرأة ‘على الأقل رسميا ‘ربما لاعتقادهم بالمساواة حرفيا! نعود إلى غرفتنا ‘التي نستسلم فيها لسلطان النوم استعدادا لبرنامج زيارات الغد المزدحمة وسنرى كيف "يمقلبني" قرد‘ و"تصبحون على خير".

</B></I>
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.agrteg.8m.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر الدولة : السعودية
الجنسية : سوداني
عدد المساهمات : 272
نقاط : 397

من روائع الاستاذ أنور محمدين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع الاستاذ أنور محمدين    من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 29, 2010 8:53 am

قصر المهراجا ورقصة الكوبرا ..(12)
انطلقنا مبكرين إلى مقصدنا الأول في مدينة جيبور‘حيث وصلنا سفح هضبة لنجد محال تجارية متعددة‘ وعلينا ترتيب صعودنا إلى قمتها فشريت كيلو موز وجلست على مسطبة أمام صيدلية على ناصية الشارع ‘بينما راح بسام يساوم سائقي الأجرة لترحيلنا ‘وانشغلت بالتفرج على السابلة المختلفة أشكالهم وسحناتهم ‘وإذا بهم يصيحون تجاهي بصوت عال وحين تلفتت وجدت قردا كبيرا يسرع مبتعدا عني وفي معيته موزي ‘الذي سرعان ما تسلق به السقف ومضى في التهامه في هدوء وسط ضحكات المتجمهرين على غفلتي وربما على "هبالتي"! ولأول مرة سألني أحدهم وقد لاحظ تحدثنا بالعربية تارة وبالنوبية أخرى:هل أنتما سودانيان؟ فكل من تعاملنا معهم قبلا كانوا يعدوننا هنودا.الآن يزحف بنا "التاكسي" في طريق وعر ذكرني بعقبة بورتسودان إلى أن توقفنا قرب القمة فترجلنا لنمضي مع الجموع لمشاهدة قصر أثري يسمى "أمير بالاس" بني على طابقين تتوسطه ساحة فسيحة وأطللنا من أعاليه على التلال المحيطة ‘التي تقوم عليها معابد وقصور متعددة تحتاج إلى صيانة لتعتمد مزارات جديدة وما أكثر أطلال القصور من حولنا! ولا شك أنهم بصدد تحويل هذا التراث العمراني الباذخ إلى مورد اقتصادي ضخم. أرى الخضرة تكسو المنحدرات في بانوراما رائعة‘ ويلح في خاطري سؤال :ترى كيف كانوا يجلبون الماء إلى هذا العلو؟ رجعنا إلى سائقنا الذي كان في انتظارنا وسط عشرات من زملائه وعدنا إلى السفح لنركب هذه المرة حافلة ركاب عادية إلى داخل المدينة .بجانبي سيدتان جميلتان تصر كل منهما على دفع الأجرة مثلما لدينا‘ بعض الراكبات محجبات ما يدل على أنهن مسلمات .الآن نمر على قصر منيف‘ عجيب مقام وسط بحيرة تأخذ شكلا دائريا قطرها نحو 3 كيلو مترات.إنه القصر الصيفي لحاكم المنطقة التاريخي وفي الجهات الأربع أكشاك حراسة ما بين القصر والشاطئ‘ إنه منظر نادر وبديع. وفي البر تنتصب مئذنة جامع تناطح السماء في شموخ. الآن نحن في قلب الوسط التجاري حيث قصر الأميرات ‘المسمى "هوا محل"‘الذي كان مكانا لسمر وتهوية الأميرات المنعمات وصاحباتهن وتفرجهن على المارة من فوق‘وربما بعض أصحابهن.. من يدري ! ولكنه اليوم بات مزارا يستقطب آلاف الزوار .منظره من الخارج في غاية الكمال ولونه وردي لافت حيث نلتقط صورا وإذا بصاحب المحل التجاري المجاور يرحب بنا بعربية ركيكة ‘فهو عاش في الخليج وجلب ماله من دبي وأصر على أن ندخل محله ونرى‘وبالتالي نشتري فاعتذرنا له بلطف لضيق الوقت ومضينا لداخل القصر من بوابته الخلفية الشاهقة نمسح أركانه بأعيننا ‘لنسرع بعدئذ إلى المرصد الفلكي التأريخي الفريد‘القريب بأرجلنا وقد بنيت على ساحة كبيرة عدة مراصد في غاية الدقة بالرخام والحديد ..هذا يحدد ساعات الليل والنهار وذاك عن فصول السنة وانقلابها وثالث يعنى بالأبراج .وبين الزوار يهود واضحة هويتهم بالشعر المجعد والملامح الشرقية‘ وكان آخر عهدي بهم في القاهرة قبل عقدين‘ والعلائق الهندية - الإسرائيلية معلنة ومعروفة وبتعاونهما بنت الهند وأطلقت طائرات تجسس دون طيار وصواريخ .
ندخل اللحظة قصر المهراجا وهو ليس ببعيد ‘والمهراجا هنا مثل باشوات مصر السابقين‘ إذ كانوا حكاما محليين وأثرياء ومشهود لهم بضخامة الجسم وبسطته وها هو قدر الأرز (أو الرز) الضخم يتوسط بهوا وهو يضارع البرميل الأسطواني حجما ويماثله شكلا‘ دليلا على كرمهم وكبر أحجامهم.لقد تخلى آخرهم عن الحكم 1970 ‘يا له من تاريخ قريب!هنا ثلة من عساكر "القرقول" بزيهم التشريفي‘ الزاهية ألوانه‘ هذا عرشهم الذهبي الوثير وتلك صورهم الفوتغرافية المؤطرة على الجدران‘ التي تضم أسرهم حينا وأصدقاءهم من الهنود والإنجليز حينا آخر.وفي قاعة داخل "فاترينات" زجاجية كتبهم ‘التي وجدنا بينها كتابا كبيرا عن علم الفلك بالعربية! يا ليت يقصده باحث لتنقيحه وتحقيقه وإعادة نشره ‘لأني أتوقع بين دفتيه ثروة من العلم عظيمة.وفي الباحات مدافع تاريخية مصوبة دليلا على القوة والسلطة الغاربة شمسها اليوم فتجاوزناها إلى حيث مشهد لن أنساه..مهرج يرسل ألحانه الشجية فتخرج أفعوان ضخمتان من الكوبرا من السلة التي أمامه فتتمايلان يمنة ويسرة أمامه مباشرة والناس يتجمهرون وقد راعهم المنظر النادر‘وسألت نفسي "ماذا لو قفزت إحداهما علينا أو كلتاهما؟ وخرجنا لنشهد في الشارع جوادين مطهمين‘ مزدانين بالبرادع المزخرفة واللجام المنقوش والسرج المذهب وهما ينهبان الأرض بسنابكهما..ك ..ككك ..ك ..ككك.. ويمتطيهما جوكيان يرتديان زيا كرنفاليا وفي الخلف فرقة موسيقية تصدح بموسيقاها‘سائرة في طابور استعراضي وصبية يلهثون للحاق بها ..إنه مظهر تاريخي‘ احتفالي‘سياحي درجوا عليه من أيام مجد المهراجا يماثل طقوس تغيير الحرس الوطني الشهير أمام قصر باكنجهام في لندن .أشعة الأصيل العسجدية تصافح الجموع معلنة أن النهار قد أزف رحيله وهو ما يعني إنهاء برامجنا والتوجه لمحطة القطارات.
المحطة كبيرة تتوزع في أنحائها مايكروفونات تبث مواعيد القطارات ووجهاتها وشاشات عرض تظهر جداولها ‘كما لو كنا في مطار.أخذنا أماكننا في عربة نوم والقطار ينطلق في موعده تماما - قلبي على قطاري نيالا وكريمة- بقوة الدفع الكهربية ‘التي تعمل بالطاقة النووية حتى نجتاز المدينة فتستبدل بالديزل ‘ حرصا على إصحاح البيئة وسلامة السكان الصحية‘ وهذا شأنهم في كل المدن التي تخترقها القطارات‘ أرأيتم كيف يحفلون بمعايير السلامة العالية؟ الخدمة داخل عرباتنا فندقية فتذاكرنا شاملة المأكولات والمشروبات هذه المرة. نساكن في غرفتنا المسافرة عائلة هندية ‘أفرادها لطفاء يرددون أغانيهم العذبة في جماعية شبانا وشابات ‘بمشاركة الكبار ترويحا للنفوس‘ التي تصدأ إن رانت عليها الرتابة والجمود والملل ‘وكلها تقصف العمر! والهنود شعب مرح ومسرحي بطبعه.
عدنا اللحظة إلى العاصمة الهندية من جديد ‘إنها محطة دلهي القديمة ولكنا سننطلق في رحلتنا التالية من نيو دلهي ‘وهما متلاصقتان شأن الخرطوم وبحري ‘إذن نقطع المشوار على تاكسي ونمضي إلى رصيفنا المحدد في تذاكرنا في محطة ضخمة تمور بحركة الناس والقطارات وتتوزع في أرجائها 12 رصيفا!
القطار يحاذي الرصيف ونحن نركض مع المهرولين لأخذ مواقعنا‘ "نسهم في الضجة الماتعة"‘كما عبر شاعرنا الملهم الجيلي عبد الرحمن السيد في قصيدته الناطقة بالروعة" هجرة من صاي"..و"خليناكم بعافية".

</B></I>
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.agrteg.8m.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر الدولة : السعودية
الجنسية : سوداني
عدد المساهمات : 272
نقاط : 397

من روائع الاستاذ أنور محمدين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع الاستاذ أنور محمدين    من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 29, 2010 8:54 am

البنجاب ..السابحة في الخضرة والجمال والبرد ..(13)
تسلل قطارنا خارجا من نيودلهي وجل سكانها يغطون في النوم ويسترسلون في أحلامهم‘ ونروح بدورنا في طياته‘لنصحو مبكرا وقرص الشمس الخجلى يستبين في الأفق النائي والتلال تكسوها خضرة لانهائية ومختلف النباتات هنا - وما أكثرها - تغسل صفحاتها الأنداء الفضية‘ والغطاء النباتي في ثراء يغطي السفوح والأودية ..وعلى كوب الشاي و"من نافذة القطار" ..وهذا عنوان واحد من أمتع كتب أستاذنا عبد الله الطيب..أمتع ناظري بالجمال العذري‘أمامي نباتات كثيرة أجهلها؛ وأخرى أعرفها منها الموز‘ السنط‘الصنوبر الفارع‘الجهنمية المزهرة‘ وحتى العُشر أعلن وجوده ‘ وكذا الرز وهو الغذاء الرئيس ويصدرونه للدنيا كلها‘السعودية مثلا تستورد منها نحو 80% من استهلاكها من نوع "البسمتي". وأرى "حاحاية" طير من بعيد ‘كما لو كنا في قرانا ومعابد صغيرة لا تتعدى مترا مربعا تتكرر على أطراف الحقول‘ ربما تفاؤلا وتبركا وعشما في محاصيل وفيرة‘ حتى الطاؤوس بريشه القوس قزحي الجميل يتيه في الكلأ.بعض رفاقنا في الرحلة يتناولون فطورهم دون دعوتنا لمشاركتهم‘وهنا تذكرت قصة الجعلي الذي طلب له ولده في الخرطوم بعض الساندوتشات فأقسم ألا يأكلها ففيم سيدعو الناس لمشاركته الطعام إن كانت وجبته في يده وفمه وليست في صحن!؟ القطار يتسلق المرتفعات ما يزيد الجو برودة ونلمح القمم البعيدة الناتئة وقد نشر الثلج رداءه عليها فنتدرع بالمعاطف وال "شيلان"‘وفي خاطري قطار الشرق يرتفع لاهثا في كبد وعنت تلال البحر الأحمر من بورتسودان‘ماضيا إلى القمة في محطة صمت ‘حيث مواكب العرسان تهبط منه لتتلقفهم سيارة مصيف أركويت القريب ليمضوا في رحاب شاليهاته أحلى الأيام وأمتع الليالي‘ولم أر في السودان أجمل من ذاك المصيف‘ المهمل حاليا!
الآن وصلنا مدينة كلكة (بضم الكاف)‘ وننزل خوفا من التوغل شمالا حيث الجليد المنبسط في الآفاق قرب الحدود الباكستانية ‘وهي من أكثر الدول سكانا ‘فالأولى الصين‘ تليها الهند‘فالولايات المتحدة‘‘ إندونيسيا‘ البرازيل‘وباكستان ويسمونها الست الكبار!..إذن نحن في إقليم البنجاب الهندي وعلى الجانب الآخر البنجاب الباكستاني ‘كم شهد من مآس عام 1947 عند انفصال البلدين فقد تدفق المسلمون شمالا وتدافع الهندوس جنوبا في ظروف التهبت فيها الخواطر وتأججت الفتن وكانت هنا مذابح التشفي والانتقام ..ما أفظع الحروب بجنونها! في صالات المحطة أجهزة وزن الجسم مبثوثة مثل سائر المحطات‘ البنات أكثر جمالا فالشابة هنا بيضاء‘ فرعاء تحاكي جمال الزعيمة الراحلة بنظير بوتو في ريعان شبابها‘ وما أروع تلاقي حسن الجسد ببهاء العقل . الباعة يجوبون بمعروضاتهم بينما شاشات عرض تعمل" باللمس" نستطلع عبرها مواعيد القطارات ووجهاتها ‘فنحجز للعودة وأقرأ على لوحة جدارية عبارات عميقة للزعيم غاندي على لسان العاملين في كل مكان‘ ترجمتها "الأعزاء العملاء..لقد شرفتمونا بالعمل هنا وخدمتكم واجبنا ولولاكم لما أتيحت لنا فرصة العمل الشريف".وهو علم هندي طبقت شهرته الآفاق حتى في بريطانيا ‘التي حاربها وتقام له تماثيل في لندن تقديرا وعرفانا ‘بجانب نهرو أول رئيس في ظل الاستقلال‘ وطاغور شاعر الهند العظيم ‘أول آسيوي نال جائزة نوبل في الآداب ‘وثلاثتهم درسوا وعاشوا في بريطانيا.
نزلنا في أول فندق يلي المحطة وبعد جولة قصيرة استغرقنا في نوم عميق لنصحو قبيل السادسة صباحا ونجري للمحطة ولكنا نكتشف أن حجزنا اليوم التالي ونعود للفندق ليصر الموظف على اعتبارنا جددا ‘بمعنى دفع يوم جديد فرفضنا ونزلنا في الفندق التالي وغصنا تحت البطاطين طلبا للدفء والراحة في جو بارد نحو العاشرة صباحا بنية الخروج عصرا في نزهة في المدينة المتوسطة‘ الخضراء ‘غير أني قمت على أصوات جماعة دينية تحمل الشموع والمصابيح وتنشد أهازيج طقوسية وتهاليل وسط قرع طبول ‘تسير في الشارع الذي تطل عليه غرفتنا كأنما هم بعض طرقنا الصوفية. هنا تتركز طائفة السيخ ومذهبهم محاولة توفيقية لمزج مبادئ الإسلام والهندوسية‘ وهم قوم ذوو بأس يستعان بهم في الجيش الهندي وقبله استبسلوا في القوات البريطانية وبعضهم متطرفون ‘بل ينزع بعضهم لإقامة دولة خاصة بهم أسوة بقيام باكستان على أساس ديني‘ ويحرصون على اعتمار عمامة ترص لفائفها بعناية لإخفاء الشعر الذي لا يحلقونه مدى الحياة وفق معتقداتهم .إذن أجد بسام صحا قبلي بقليل وقام بوضع أغطيته فوقي وإذا به يقول إن الساعة الرابعة فجرا ! يا إلهي‘كأننا من أهل الكهف.وبعد أن تهيأنا نسرع للمحطة قبيل بزوغ الشمس وإذا بأسر فقيرة تفترش الغبراء وتلتحف السماء على قارعة الشارع في هذا الجو شديد البرودة!
نركب في العودة قطارا سريعا ‘مقاعده وثيرة‘ ويقدم لنا النادل جريدة الإقليم الإنجليزية‘ والهند ثاني أكبر دولة ناطقة بالإنجليزية في العالم بعد الولايات المتحدة وتكاد تكون لغتها القومية الجامعة - مثل العربية لدينا - وأهم تركات الاستعمار ‘رغم لغاتها ولهجاتها ال 300‘ المعتمدة منها نحو 17 لغة محلية تدرس في مدارس أقاليمها يلتحق بها التلميذ برغبته وإلا أمامه المدارس الإنجليزية.جاءونا بشاي الصباح بأكواب فخارية‘تصوروا! إن الدهشة لا تنتهي في هذه البلاد! وبعده الفطور والعصير.لوحات المحطات بالإنجليزية والهندية بجانب الأوردو بالحروف العربية وبخط أنيق.وفي الطريق نمر على عدة مدن تتمدد على هوامشها أحياء الصفيح والكرتون والقطاطي التي تحاكي تلك التي يقيمها مزارعو مناطق شندي لتخزين البصل.
أخيرا نصل دلهي وننطلق إلى سوق بليكا بازار..هل تذكرونها..تلك القابعة تحت الأرض؟ يتركني بسام ليأتي بطعام وبجانبي فواكه لا يكف الصبية الهائمون"الشماسة" عن التوسل إليّ لإعطائهم شيئا فأقدمها لهم.الناس في جماعات على النجيل السندسي‘ويساري بأمتار شاب يرقد على فخذ حبيبته التي تضج أنوثة ‘يستغرقان في أنس ناعم وهي تعبث بشعره وبين الفينة والأخرى يمد يده لمداعبتها ودغدغتها فتبعدها في دلال‘.أما الآخران الجالسان على حافة سور الحديقة فغابا في عناق رغم أن الشابة‘ التي تذوب عذوبة تحمل دفاتر المحاضرات‘ ويبدو أنها تدرس في معهد الغرام!وكأننا في حدائق هايد بارك الشهيرة في لندن وأنا "بس بعاين"‘ كما غنى الكاشف. بعيد المغيب نعود لفندقنا الأول نتسلم أمتعتنا ‘التي كانت في عهدتهم شاكرين. بعد تناول شاي معهم وأنس عن رحلاتنا المكوكية نقف الآن مودعين فعلينا اللحاق بقطار الثامنة والنصف مساء المتجه عبر هضبة الدكن إلى مدينة ضخمة نلتقي في رحابها أول سودانيين في رحلتنا‘ولكن قبلا ما الارتباك الذي واجهنا عند المغادرة؟ هذا بعض ما ستفضه الحلقة المرتقبة .. لكم حبي.

</B></I>
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.agrteg.8m.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر الدولة : السعودية
الجنسية : سوداني
عدد المساهمات : 272
نقاط : 397

من روائع الاستاذ أنور محمدين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع الاستاذ أنور محمدين    من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 29, 2010 8:55 am

[size=21]حيدر آباد ..كنانة الإسلام وركن السودان..(14)
توجهنا إلى السكة حديد في العاصمة الهندية‘وكالعادة في كل المدن الكبرى يمتد جسر طائر بعرض المحطة تتفرع منه السلالم يسرة ويمنة قبال كل الأرصفة.واجهنا في المدخل مكتب الاستعلامات ‘الذي عرضنا على موظفيه تذكرتينا للتأكد فإذا بهم يفاجئوننا بأن أمامنا نحو ربع ساعة فقط لانطلاق القطار وليس أكثر من ساعة كما اعتقدنا.إذن مضينا سريعا مع نهر الخلق المتدفق عبر الجسر وهبطنا إلى رصيف تأكدنا فيه أنه ما نقصده ورحنا نراجع بسرعة رقم العربة‘ التي دلفنا إليها بسرعة البرق وأخيرا وصلنا إلى مكاننا وبعد حفظ أمتعتنا تحت المقاعد وعلى الأرفف استوينا على سريرينا ليتحرك القطار دون إبطاء في موعده عند الثامنة والنصف مساء‘ الذي سنقضي على متنه زهاء 22 ساعة! لكن دون اهتزازات وأتربة.
بينما يسرع القطار خارجا من نيو دلهي رحت أمسح أرجاءها ببصري مودعا‘فالبرنامج سينقلنا إلى جنوب الهند بعد أن طفنا الوسط والشمال.وفي حصص الجغرافيا كنا نشبه للطلبة خريطة إيطاليا بقدم الإنسان‘ وخريطة الهند بالرسم التخطيطي لمهبل المرأة لتقريبها للأذهان‘إذن نحن نتجه الحين جنوبا إلى القمع البارز في الخريطة عبر هضبة الدكن وعلى يسارنا من بعيد ولاية آسام وعاصمتها كلكتا ‘وهي منطقة إنتاج الشاي الأساسية في الهند‘ التي تعد أكبر دولة منتجة له في العالم ‘كما تعلمون.أما في مناطق عبورنا فتتركز زراعة القطن والدخن وقصب السكر ‘فضلا عن القمح الذي فاض إنتاج الهند منه هذا العام بنحو مليوني طن على استهلاكهم‘بينما مجمل إنتاج السودان منه يقدر بنصف مليون طن فقط سنويا..متى نتوسع رأسيا وأفقيا في زراعة هذه السلعة الاستراتيجية التي تتصاعد أسعارها باطراد؟
بعد تناول العشاء نستغرق في النوم لنصحو مبكرا لنشهد بزوغ الشمس في الأفق البعيد‘التي ترسل خيوطها الناعسة عبر المرتفعات السندسية‘ التي تهزمها البرودة عالية الضراوة‘ فالتضاريس هنا ذات تعاريج وانحناءات عكس الشمال الأكثر انبساطا.أرى أمامي أنهرا عديدة‘ والآسيويون يستفيدون منها لأقصى مدى‘فنهر الميكونج مثلا ‘الذي يخترق عدة دول تقام عليه الآن 13 سدا لتوليد الطاقة الكهربية الرخيصة والنظيفة ‘مثل سد مروي‘ وتحت الإنشاء 35 سدا مماثلا‘ منها 10 لتصديرها للدول الأخرى"بيزنس واستثمار"‘مثلما ستبيعنا أثيوبيا فائض طاقتها المولدة من مساقطها المائية‘ إثر توحيد شبكتها مع السودان ومصر‘ولأن للكهرباء فوائد جلى أطفئت الأنوار في طول الولايات الأمريكية وعرضها‘ في ليلة من عام 1931 حدادا على وفاة العالم العبقري أديسون مخترع المصباح الكهربي . البنات يغسلن على شطآن الأنهار الملابس‘ كما في الريف المصري‘ والمحراث البلدي التقليدي ينخر الأرض الزراعية ‘والفيل ضخم الجثة يسير بالناس والأحمال‘ والبيوت المطلة على الطريق الرئيس تزدان جدرانها بدعايات الشركات الملونة وترويج السلع. ورغم الجهود المتعاظمة فأمام الهند تحدي تجسير الهوة بين الريف النامي المتطلع والحضر المزدهر‘ كسائر الدول النامية.في حمام القطار النظيف ينزل الماء باللمس لترشيد استهلاكه وتجنب هدره.والمايكروفون الداخلي يرحب بالركاب الجدد في المحطات الرئيسة بصوت ناعس. الحين أرى الشمس تغوص وراء الأفق مخلفة شفقا زاهيا فنستعد للنزول ‘فيأتي الفراشون بزيهم المميز يجمعون الملاءات والوسائد ويتوقعون إسعادهم ب "بقشيش"! نودع رفاق الرحلة ونخرج على عجل إلى البوابة الخارجية لمحطة سكندر آباد ‘وهي الأولى في مدينة حيدر آباد وهناك الأخيرة مثل محطتي سيدي جابر والرمل في الإسكندرية أو إن شئت عنقش ووادي حلفا.حركة المرور على أشدها وبجانبنا عدة أكشاك تعرض سلعا مختلفة ‘تهمس فيها الرتائن موشوشة! في مدينة تغرق في الكهرباء‘إنه تزاوج القديم والحديث الذي لا تخطئه العين‘ربما اقتصادا أو تشغيلا للملايين أو مظهرا سياحيا.أخيرا وصل مستقبلونا ‘الذين توقعونا في الجانب الآخر من المحطة ‘إنهم أول سودانيين نقابلهم منذ بدء رحلتنا فكان العناق الحار‘ الحميم.. أحدهم طلال بكري سري من شباب دلقو الممتازين ومعه شابان من الجزيرة يشاركانه السكن‘ وقد ظل طلابنا يواصلون متابعتنا طوال الرحلة مشكورين .ترادفنا في مواترهم "البايكات" وانطلقنا في شوارع المدينة ‘ التي يشكل المسلمون فيها نحو 40% بينما نسبتهم العامة في البلاد حوالي 20%‘بينهم عدد مقدر من سلالة أبناء اليمن وسلطنة عمان‘الذين استوطنوا هنا قبل قرون بحكم التجارة والتواصل الملاحي. المتحدثون بالعربية والذين تعود جذورهم إلى العرب تقدر نسبتهم بالعُشر في هذه المدينة الكبيرة‘التي تضم اليوم نحو 500 أسرة صومالية جاءوا لاجئين عند سقوط نظام سياد بري وسيادة الفوضى هناك.نجتاز بحيرة كبيرة يتوسطها تمثال بوذا‘ تتكسر على صفحتها الأضواء الملونة.ويستخدم طلابنا هنا المواتر ويعتمرون الخوذات حرصا على السلامة ولكن حوادثها تزهق روحا غالية من شبابنا كل عام تقريبا .وحكوا لي بألم عن طالب صرع في الحركة وترك وصيته ‘ونقل جثمانه إلى السودان ‘كما هو شأنهم ‘حيث رافقه أحد الطلبة وأقاموا مأتمه‘الذي خفوا إليه من كل المدن القريبة. يعيش هنا نحو ألفي طالب سوداني- وهو أعلى تجمع - يدرسون أساسا الكمبيوتر والمختبرات‘بينهم عدد محدود من الطالبات.وهم متضامنون‘ نظموا خلال رمضان الماضي دورة رياضية شاركت فيها 15 فريقا بمشجعيها ‘وينازلون طلاب الجاليات الأخرى بحماس.
هنا قلعة تكنولوجية تتمثل في مدينة "هايتك سيتي"‘التي يعمل فيها نحو" مليون" مهندس وفني وعامل ماهر(تصوروا) ‘تضم مقار كبرى شركات الكمبيوتر وتطبيقاتها الأوروبية والأمريكية ‘وهي الأضخم خارج الولايات المتحدة .
وصلنا الشقة ‘الواقعة في الطابق الثالث في حي إسلامي مثل حي نظام الدين في دلهي‘التي تستضيف مركز الدعوة الإسلامية العالمية .وهذا الوضع منذ عهد الممالك الإسلامية ‘التي سرب الإنجليز منها أغلى جوهرة مستخدمة في التاج البريطاني وتطالب بها الهند حاليا. جلسنا "نتونس" معا‘فعلمت من طالبي الماجستير أن خريجي السودان موفقون في الدراسة غير أن الاعتياد على اللغة الإنجليزية الرفيعة يأخذ وقتا ويتطلب جهدا.ويمكن أن يدرس ماجستير الكمبيوتر‘ بخلاف خريجي كليات الكمبيوتر ‘من يحملون دبلومات من معاهد أو شهادات خبرة معتمدة في المجال‘فضلا عن الشهادة الجامعية في أي تخصص.أحدهما يدرس تطبيقات برنامج أوراكل متقدمة ‘وهي تمتاز بحمائية عالية‘والمشكلة أنها غير مطبقة حاليا في السودان لذا ليس أمامه سوى الهجرة! وتكلف دراسة الماجستير نحو 1200 دولار على عامين ‘والمصاريف الشهرية نحو 700 ريال تقريبا قابلة للزيادة لتنامي المعيشة وارتفاع قيمة الروبية المستمر.أما من درس الكمبيوتر في الجامعات السودانية أو غيرها ويريد نيل شهادة معتبرة من شركة مايكرو سوفت العملاقة فيأتي هنا ليدرس نحو 3 أشهر ثم يجلس للامتحان لتقبل شهادته بعدئذ في أي دولة بثقة.وهنا الجامعة العثمانية الشهيرة والدراسة فيها صارمة‘ وعالية المستوى وفيها عدد قليل من طلابنا وهي من أفضل 100 جامعة في العالم‘ التي لم تدخل قائمتها أي جامعة عربية! وعموما خريجو الهند معروفون بالتميز ويحتل بعضهم مواقع متقدمة في الدول الكبرى مثل تلك الشابة الهندية الساطعة‘ التي تدير شركة بيبسي كولا الأمريكية العالمية العملاقة.
الحين جاء العشاء فأقبلت على الفول "المصلح" بنهم وشهية - بعد أن حرمتني التوابل الهندية من الطعام السوي أياما طويلة - حتى وصلت حد التخمة..هأنذا آوي إلى فراشي في غرفتي‘ التي تفضلوا بتخصيصها لي ‘تاركا إياهم في الطابق الأعلى يواصلون السهر مع بسام والطلبة ‘الذين لم ينقطع سيل تدفقهم من كل الأحياء للترحيب بنا ..غدا نستطلع المدينة المهمة ومعالمها البارزة وأحكي لكم قصة عروسي !



[/size]
</B></I>
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.agrteg.8m.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر الدولة : السعودية
الجنسية : سوداني
عدد المساهمات : 272
نقاط : 397

من روائع الاستاذ أنور محمدين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع الاستاذ أنور محمدين    من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 29, 2010 8:56 am

[size=21]راموجي..ضاحية السينما والملاهي والترفيه..(15)
صحوت مبكرا في يومنا الأول في حيدر آباد والشباب نيام وصعدت إلى سطح العمارة وألقيت نظرة بانورامية عليها فإذا هي مدينة ضخمة تتخللها مساحات خضراء مزروعة مثل كافوري في الخرطوم بحري‘ وأشجار جوز الهند ذات الجريد الطويل والسعف العريض تملأ الرحب‘ وتحتي مباشرة بيوت عشوائية داخل حوش كبير ريثما يبنيه صاحبه..غرفة واحدة لكل أسرة ‘بعضهم حفاة‘الشابات يتولين غسل الملابس فوق لوح أسمنتي تستخدمه البيوت العشرة‘ويضربن بالقطعة بقوة على الحجر بغية تنظيفها ما يحدث طرقعة متلاحقة يسمعها الجيران .بعضهن مليحات رغم الفقر المتبدي.
بعد الشاي ننطلق يصحبني بسام وطلال وعلى الأصح أصحبهما على "ركشا" يتولاها شاب ظريف عمل مدة عامين في الطائف‘ وأخته متزوجة بسعودي هناك. بعد مسير قرابة ساعة تركناه ينتظرنا وحصلنا على تذاكر الدخول عبر بوابة‘واندفعنا إلى حافلة مع غيرنا من السياح والهنود‘التي سرعان ما امتلأت لتتحرك بنا بينما اقتربت حافلة أخرى استعدادا للدفعة التالية ‘وهنا اتصلت بوالديّ طلال في الخرطوم أطمئنهما عليه ما زرع السرور في الأفئدة ذلك لأني أدرك كم هما مشفقان عليه. نترجل من الحافلة بعد نحو ربع ساعة ونصعد إلى سيارة مكشوفة تطوف بنا .دليل مجموعتنا شاب يتولى شرح ما نرى تارة بالهندية وأخرى بالإنجليزية مع ابتسامات ودعابات لطيفة .المكان أشبه بضاحية هوليود في كاليفورنيا .نمر على مبان مطابقة لأبرز المعالم السياحية الهندية ..هذا التاج محل وعلى اليمين بوابة الهند وهكذا.ويزخر المكان بكل صور الحياة بغرض التصوير..مدرسة‘ مستشفى‘ مكتب بريد‘مركز دفاع مدني..إلخ.هذا علاوة على وجود حي سكني حقيقي بمرافقه‘ وبيوت على النمط الهندي وأخرى صممت لتطابق طرز البلاد الأوروبية .والدليل يشير ..هنا تم تصوير الفيلم الفلاني وهناك العلاني ويتجاوب معه الهنود. وعلى الروابي الخضراء من حولنا عمارات أنيقة وفيلات رائعة لا ريب أنها تضم نجوم السينما الهندية‘الذين نسعد بمتابعتهم على الشاشة. ومن البدهي أنهم يعيشون فيها حياة رغدة ‘بل مترفة! وأرى فندقا جميلا 5 نجوم بواجهاته الزجاجية ‘تملأ ساحاته السيارات الفارهة.
في موقع محدد يقودنا الدليل على الأقدام إلى مغارة نشاهد داخلها مناظر متنوعة تنتهي بتمثال لبوذا! خارجه باخرة بمراسيها وعلى جانب آخر قطار في محطة. ونخرج لنجد" ميكي ماوس" حيث يتجمع الأطفال حوله‘ وأمامه مراجيح يلهو فيها الصغار وبينهما شباب تقاطيعهم غريبة من مناطق حدودهم مع الصين يقدمون ألعابا بهلوانية في غاية المهارة ما جعلنا نواصل التصفيق الحار لهم إعجابا.ويمينا مسرح تصدح فيه زهرة حلوة مع رقص جيرك بديع تحس معه أنها بلا عظام! مع ألحان شجية‘ وإيقاعات ديسكو إفريقية حارة يتمايل معها الحضور طربا ‘طربا‘كما يغني أبو داود. وندخل نفقا طويلا مررنا عبره بنيران لاهبة ورعود مزمجرة وبروق خاطفة ثم شلالات مياه تهدر بخريرها ونخرج منه لنلفي صبية يلهون ويرقصون عرايا إلا من ورقة التوت تحت نوافير مياه قوية على أنغام طروبة على الهواء .وتقودنا الخطى إلى مسرح مكتظ بالمشاهدين تعرض فيه أكروبات غاية في الإبداع ‘ورغم أنني أضمرت على مجرد الإطلالة والانصراف إلا أن الروعة شدتني لأبقى متابعا شبابا رائعين من الجنسين- إحداهم شبيهة بليلى علوي- حتى انتهاء العروض وإضاءة الأنوار وقلت في نفسي : لماذا لا يأتي طاقم من تلفزيوننا هنا لنقل هذه الإبداعات للمشاهدين بدل أن يكرروا لنا في الأعياد والمناسبات الأكروبات التي حفظها الناس وملوها؟ خرجنا نتمشى نشاهد كافتيريات ومتاجر أناتيك وبيوت أزياء وأستديوهات تصوير فوري حتى وصلنا موقعا تتفجر فيه فوارات ترتفع مياهها إلى أعلى برشاقة في مشهد أجبرنا على التقاط الصور التذكارية فيه.ونعود لنجد على الجدار دعاية لفيلم إنجليزي معروض في دار السينما جانبنا. ويحاول بسام تذكيري بقصته قائلا إنني ساعدته على استيعابها في عطبرة من كتاب إنجليزي‘ فقلت في نفسي "كيف سيتذكر والدك كل التفاصيل ‘كم من المعاول هوت على رأسه مذاك الوقت؟". أفواج التلاميذ بأزيائهم المميزة النظيفة وربطات العنق الأنيقة يحتشدون هنا وهناك برفقة معلميهم .الآن ينادي مايكروفون الزوار لحضور تصوير مشهد من فيلم "كاوبوي" حي‘ فنستجيب ونتدافع إلى مدرجات المسرح فيحدث عراك ومطاردة فعلية أمامنا ويهبط البطل سريعا بحبل إلى أسفل ولا يجد من يطارده بدا من ملاحقته بتفجير دوت معه الصالة وأصابنا الرعب وطلقات المسدسات تصم الآذان‘ وبعد مواقف مثيرة حبست الأنفاس يهدأ الموقف وتسدل الستارة ونخرج ونحن نتحسس أنفسنا !
مع انسحاب ذيل النهار خرجنا من إحدى أضخم مدن الأفلام في العالم لنجد "الركشا" في انتظارنا. وفي الطريق اقترب منا سائقها أكثر وداعب الشابين إن كانا يرغبان في الزواج ‘مبديا خدمته في إيجاد عرائس دون أدنى تكلفة‘ فقط ما يعادل نحو 300 ريال سعودي مهرا أو أقل و"يا بلاش"! مضيفا أن أصهاره فقراء ولديهم بنات جميلات والمطلوب فقط "توزيعهن" لتخفيف الأعباء عنهم‘ وبينما نحن في هذه "الونسة" والعروض المغرية‘ المسلية وصلنا قلب المدينة ‘حيث راح الشابان يحولان العملة. وهنا انفرد بي وأخرج محفظته وأبرز منها صورة زوجته‘التي تبلغ 18 عاما وهي تشبه الممثلات جمالا ‘وأضاف أن شقيقتها الصغرى تبلغ نحو 15 عاما وأنها أجمل منها ويرجوني أن أعقد عليها وآخذها معي فقلت متعللا إن إقامتي في السعودية مؤقتة وإن قريتي بعيدة في شمال السودان‘التي ربما أسافر لها نهائيا لاحقا .وفوجئت به يقول :" وما لو"‘ فهي على استعداد للعيش في أي مكان. ليس هذا فحسب ‘بل عرض تناولي معهم وجبة في البيت لمشاهدة "خطيبتي" الحسناء على الطبيعة ! وهنا" أدرك شهر زاد الصباح وسكتت عن الكلام المباح"!
إذن بعد قليل وصل بسام وطلال واندفعنا نحو البيت وتسليتنا حكايات عن زواج الأجانب المنتشر في هذه المدينة المزدهرة ‘منهم السودانيون ..آخرهم كردفاني ستيني ارتبط بشابة "طاشرية" وطار بها إلى دبي حيث يعمل‘ وفتى من مناطق دلقو وصفوه بلكنته المصرية تأبط ذراع أحلى هندية -على وزن أحلى هدندوية-وعاد بها إلى بلاد العم سام وهكذا‘ وسنعود لقصص زواج أكثر إثارة لاحقا. هنا عروض عديدة للبنات اللائي يرغبن الزواج‘ حسب المواصفات التي تطلبها..أتريدها طالبة؟ طبيبة ؟ فاقع لونها صفراء؟ سمراء قامتها هيفاء؟ أو حتى لون زينب ؟ لا بأس‘ المهم "راحة الزبون" . الآن وصلنا البيت متفقين مع "عديلي" الافتراضي على الحضور في التاسعة صباحا لنستكمل برامج زياراتنا ‘التي سنرى خلالها محرقة الهندوس ومكامن الصندلِ..إلى لقاء.


[/size]
</B></I>
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.agrteg.8m.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر الدولة : السعودية
الجنسية : سوداني
عدد المساهمات : 272
نقاط : 397

من روائع الاستاذ أنور محمدين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع الاستاذ أنور محمدين    من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 29, 2010 8:57 am

المحرقة والمسجد والكأس والصندل. .( 16)
خرجنا فوجدنا على قارعة الشارع هنديات يعملن بهمة في "المونة " و"السقالة" وأعمال البناء مثل الدارفوريات‘المنتجات‘ واختلست كاميرتنا للمشهد عدة لقطات‘ وعلى الجوار لافتة "المطعم العربي"‘حيث علمت أن أسعاره عالية لاحتكاره السوق‘ وكم تمنيت أن يبادر أحد أصدقائنا من أبناء" بدين" الحاذقين بفتح مطعم هنا ‘إذن لجنى ذهبا!
اندفعت بنا"ركشا" عديلي المقترح ومررنا على بناء يشبه دار الرياضة فقيل إنه محرقة الهندوس وإنهم يشعلون في جثمان الميت النار على أكوام الحطب ثم يجمعون ما تبقى من رماد ويضعونه في أنبوب يقذفون به في قاع نهر الجانج المقدس‘ الذي يؤمنون بتدفقه من بين قدمي الإله ولذا يحجون إليه ويتطهرون بالاستحمام فيه في مواسم محددة.والأثرياء يستخدمون الصندل في الحرق. وأبديت رغبة حضور طقوسهم بلا جدوى.وقديما كانت الزوجة تحرق مع زوجها حتى أوقفه الإنجليز‘ لأن الهنود يعدون المرأة تابعة لوالدها عند الصغر ثم لزوجها وبعدئذ لولدها ‘أما وأد البنات فلم يتوقف إلا منذ عقود.ومن هنا فالمرأة الهندية مطيعة لأنها ربيبة هذه الثقافة ذات البعد الروحي‘ ولأنهم ينظرون لها جسدا تحتشد فيه الإثارة والشهوة والإغواء فحسب! في جدول زياراتنا توقفنا أولا عند طابية "جار منار" ومعناها المنارات الأربع في قلب الوسط التجاري ‘حيث صعدنا إلى قمتها عبر سلالم حلزونية متدرجة يستريح فيها الإنسان في مواضع معلومة‘ بعد السير منحنيا‘ وهي بناء ضخم تاريخي يمتد عمره 500 عام ‘مستطيل الشكل‘جدرانه منقوشة بعناية هندسية‘ وسطه فراغ ‘ أطللنا منه على الشوارع والأحياء المحيطة‘ التي تضج بالحركة‘ ثم نزلنا منه واتجهنا إلى مسجد مكة الفسيح‘ المجاور ذي المآذن الشامخة ووجدنا على اليسار مراقد سدنته‘ الذين توارثوا خدمته عبر الزمان . وعلى الواجهة المصلى الواسع ‘المزدان بالثريات الكبيرة المتدلية‘التي ينزع ما يلفها من قماش شفاف في شهر رمضان ليبدو توهج الذهب فيها ومنها‘ حيث تمتد صفوف المصلين إلى الشوارع المجاورة.وعلى حماماته لافتة تحمل عبارة "بيت الخلاء" بالعربية. وفي الباحة الكبيرة أحواض ماء بنوافير تتجمع حولها أسراب الحمام.وقد حدث انفجار فيها العام الماضي وقفنا على موقعه وأثره!
في الخارج قابلنا رجلا يرتدي ما يشبه جلابية الطريقة الختمية بياقتها ويعتمر عمامة بيضاء وكدت أوقفه باعتقادي أنه سوداني‘ غير أن سائق الركشا أفهمني أنه من أزياء هذه المنطقة‘ ما أعجب الهند! واصلنا السير زهاء ساعة وصلنا إثرها إلى مبنى ولجنا بوابته وخلعنا أحذيتنا عند باب داخلي ودخلنا مكتبا أنيقا بواجهات زجاجية تتخللها أخشاب فاخرة ‘ غاية في البهاء‘ وأرضية لامعة ‘صقيلة من السيراميك.وفي الوسط طاولة وراءها شابة "طاشرية" مثل غصن البان‘ عذبة البسمات‘ خمارها الشفاف لا يغطي شعرها المنسدل‘الذي يسيل منه الذهب! كما عبر أبو آمنة حامد وابن البادية‘وحقيبتها المدرسية ترتاح جانبها. وجدنا أمامها 3 سودانيين يشترون منها الصندل الأصلي والعطور بأنواعها.وحين انصرفوا حللنا مكانهم في الكراسي أمامها من تلك الجانبية‘التي كنا نجلس عليها لتعرض علينا بضاعتها بمهارة الخبيرة تباعا وكأنها تدرس التسويق وفنون التجارة ‘فما إن ننتهي من أصناف حتى تأتي بأخرى تزينها لنا وتسرد ميزاتها في براعة. وقد علمت أنها تساعد والدها صاحب المصنع المجاور‘وحدثنا من زار الأسرة في الطابق العلوي أن جميع أثاثهم من الصندل الأصلي‘ تصوروا هذه السعادة! إن أثرياء الهند يعيشون حياة أكثر رفاهية من رصفائهم في الغرب. وحين فرغنا وودعناها أهدتنا "علاقات "مفاتيح من الصندل تذكارا . وقارنا الأسعار فوجدناها مقاربة للسعودية‘ لكن الفارق في الجودة بالطبع‘علما أن معظمها تعاد تعبئته أو "تظبيطه" في دبي!
حين علمت بوجود أكؤس من خشب معين يبيعونها لعلاج السكري أصررت على العودة للسوق‘وقد كان حيث حصلت على عدد منها‘وهي أشبه ب "فندك" أو "هون" صغير تملأ عند العشية ‘ويشرب ماؤها صباحا يوميا ل 6 أشهر ثم تستبدل بكأس أخرى عند ما يبدأ ازرقاق الماء وتغير خواصه ‘وقالوا إنها مجربة ورائجة في السودان ‘وهي تخفض مستوى السكري وتجعله مستقرا‘ ولا تزيله نهائيا. وعلى أي حال الهنود بارعون في الطب الشعبي وأهل تراث منه عريض.
ندخل الآن متحف حيدر آباد‘المؤلف من 3 طوابق‘لنشهد في القاعة الأولى صور الإنجليز ‘الحكام السابقين.. لقاءاتهم‘ استقبالاتهم ‘مناسباتهم ‘وحتى ولائمهم‘ وهي تؤرخ لحقبة تاريخية مهمة..أين صورهم في السودان‘لماذا لا تعرض في متاحف دائمة‘ عامة للجمهور بدل حصرها في القصر الجمهوري؟ نلج قاعة تالية فنجد فيها" جاليري" يضم رسومات متنوعة منها محاولات الأطفال.هنا سجاجيد فارسية ‘تركية ‘وهندية في غاية الإبداع وتمثل لوحات فنية. أما هنا فصور طبق الأصل للوحات كبار الفنانين العالميين.. أمثال فان جوخ‘ مايكل أنجلو‘ ليونار دافنشي المسمى به مطار روما الدولي ..أتذكرون لوحة موناليزا "الجيوكندا" المعروفة؟ ها هي أمامي تبتسم لي بكل الزوايا! لوحات راقية في منتهى الدقة والروعة‘ زيتية وأخرى على الكتان‘ مناظر طبيعية‘ شياه في مرعى‘قطيع أبقار تمتلئ صحة وسمنة في مروج خضراء ..إلخ‘ وتذكرت فناننا التشكيلي أبو الحسن مدني‘ الذي تستهويني أعماله الفنية‘ بنت البيئة‘ مثل قعدة الجَبَنَة - القهوة‘ المشاطة‘ أي جلسة ضفر شعر المرأة جدايل ‘وقطار الشرق‘ الذي كان جدارية مدهشة في شندي نتأملها في إعجاب.هنا عرض للأسلحة الشخصية بأنواعها وأسمائها ومصادرها وتاريخها.وفي موضع تال نماذج لساعات الزينة النادرة ‘التي تأخذ طابع التحف‘بعضها في هيئة طيور وأخرى بدت في صور حيوانات مختلفة ..يا له من إبداع وترف كان فيه الحكام والأثرياء! ونتوقف عند تماثيل رائعة..نفرتيتي المصرية‘ بل النوبية هنا‘وفتاة رائعة الحسن بكل تقاطيعها المدهشة عارية‘ يا إلهي‘ ما هذا الإبداع! هنا تحسرت على كاميرتنا‘ التي تحفظ عليها الحرس في البوابة لحين خروجنا فالتصوير هنا ممنوع.وختمنا الجولة بالوقوف عند قطع أثرية تحكي تاريخهم التليد‘ كتلك التي في متحفنا القومي‘ كم منا زاره؟
تلقفنا الشارع من الخارج عند خروجنا لنتأمل واديا موسميا أمامنا ‘على الضفة المقابلة منه مئات من أشجار جوز الهند‘خضراء‘ متصلة على مد البصر..إنها يد الخالق‘ البارئ في أجمل لوحة وأكمل صورة! ونعود ونتناول غداءنا في البيت ونرتاح قليلا لنأخذ طريقنا إلى محطة السكة حديد. ويأبى طلابنا الأعزاء إلا أن يزفونا إليها ..ما أطيبهم وأروع السودانيين ‘خاصة في الغربة‘ أمس ليلا أكرمني الشاب هيثم محمد عبد اللطيف (تنرى) وزملاؤه بأنسهم الآسر‘ والحين جمع من طلابنا على الرصيف نلتقط معهم الصور التذكارية مع لوعة الفراق قبيل أن يتسلل القطار مع آخر خيوط النهار إلى موقع جديد‘بعيد.. الأيدي تلوح مودعة حتى تغيب وجوههم الحبيبة عنا..ترى إلى أين؟ هذا ما ستكشفه الحلقة التالية + "هذا ما أتمناه في السودان اليوم وليس غدا"‘ إلى الملتقى.


</B></I>
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.agrteg.8m.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر الدولة : السعودية
الجنسية : سوداني
عدد المساهمات : 272
نقاط : 397

من روائع الاستاذ أنور محمدين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع الاستاذ أنور محمدين    من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 29, 2010 8:57 am

مدراس .. درة خليج البنغال ..(17)
عند ما صحوت من النوم الصباح كان القطار يستحث السير والطبيعة الخلابة على مدى البصر.والبيوت تعانقها أغصان الشجر وأحيانا عناقيد الزهر الناعس‘ وفي الأفق مصنع ينفث دخانه في الهواء‘ والمزارعون يكدحون في فلاحة الأرض الحبلى بالخير غير أن كثيرين لا يملكون شبرا فيها ومنها لذا درجوا على العمل لدى غيرهم أجراء‘ والأرز عماد غذائهم تتوالى مجهودات النهوض بالارتقاء بنوعيته حتى ينتج أعلى‘ وفي البال عمل دءوب لزراعته في النيل الأبيض منذ عقود ‘هل تراه نجح وعلا أفقيا ورأسيا؟.نجتاز الآن جسرا يمتد على نهر عريض يتصل بلسان من البحر‘يلتئم معه ويلتحم به‘ تملأ صفحته قوارب الصيادين الباحثين عن الرزق في لج الماء‘ والصبية حولها يعومون عابثين‘غير عابئين بالغرق‘ في جماعات.المياه تنتشر في كل مكان فها هي تحاصر المنازل‘ تغذيها أمطار لا تكف عن التهطال ولا تخلف موعدا والغمام الراحل يظلل المكان .وفي بيئة مثل هذه المشبعة بالماء يتوالد الناموس بكثافة لتحصد أنثاه الأرواح بعد أن تمتص دماءهم القليلة أصلا بعامل العوز والمسغبة‘ مسترشدة لوجودهم بعاملي العرق وما تنفثه الأفواه من أكاسيد! لكن العلماء الهنود أفلحوا في التدخل البيولوجي الفاعل كاسرين حلقة أطوار نمو البعوض اللعين ما جعل مرض الملاريا الخطير مجرد ذكرى قاتمة.وهو الهدف الذي أتمنى أن تبلغه بلادنا الحبيبة بالاستعانة بالخبرة الهندية الثرية اليوم وليس غدا‘التي تعيننا الآن في عملية التعداد السكاني في زمرة المراجع الدولية .
نحو الثامنة صباحا نبلغ المحطة الزاهرة‘ نرى أمامها المستشفى الرئيس وفندق هيلتون‘فالمدينة كبرى مدن الجنوب وفي بادئ أمرها سميت "مدارس" بدور العلم التي أقامها المسلمون فقلبت الحروف لاحقا! نسرع بالخروج إلى سيارة أجرة تنقلنا من محطة أشبه بموقف الحاج يوسف في الخرطوم إلى رئاسة الجامعة الطبية‘التي درس الابن بسام في إحدى كلياتها التي تعد بالعشرات‘ المبثوثة في مختلف مدن الولاية.الشوارع واسعة يحفها الشجر‘والمباني الحديثة تنتصب على الجانبين.نتجاوز البوابة ويلقي الحرس الجامعي نظرة على ما نحمل من أمتعة ويسمح لنا بالدخول عبر شارع داخلي مشجر إلى أن نقف أمام الصالة الأمامية لمباني الرئاسة ‘التي يتصدرها تمثال بالحجم الطبيعي لمن تحمل الجامعة اسمه وكان من الممثلين اللامعين.يتقدم إلينا شاب سوداني محييا بالحضن‘إنه شقيق زميلي ‘الذي حملني له أشواقهم ومصروفاته.وبعد تبادل الأخبار والأحوال سلمته الأمانة ‘فانصرف معتذرا بظروف الامتحانات.
نخرج منها إلى الشارع وعبر ركشا نصل موقف مواصلات كبيرا ‘نركب منه حافلة إلى قرية سياحية اعتاد طلابنا الآتون من الأقاليم قضاء وقتهم فيها طلبا للهدوء من صخب المدينة عند قدومهم في مهام.الطريق جميل ‘على جانبيه مدارس ‘بل جامعة تكنولوجية ضخمة.ألاحظ هندية جوارنا في الحافلة تعكف على صنع أكاليل من الزهور وعناقيد منها ‘ربما لعرضها للبيع فتبدو آسرة.المعابد تتوسط القرى المتناثرة .بعد نحو ساعة نصل مقصدنا ‘ويسمى مهابلي ‘حيث نسرع إلى الفندق ‘الذي ينزل فيه عادة طلابنا ‘وهو من 3 طوابق‘ نظيف‘ أنيق.يسلم موظف الاستقبال على بسام بحرارة المعرفة ويأخذ العامل أمتعتنا إلى الدور الثاني‘ الغرفة الأخيرة المطلة على الشارع حيث نلقي مراسينا ونأخذ قسطا من الراحة نتوجه بعدها إلى الساحل‘الذي ضربه مد " تسونامي"الجبار‘ على بعد نحو 100 متر. على الجانبين محال بيع الأناتيك والتذكارات وقواقع البحر في شكل "طفايات" ونحوها.ها هو البحر بمائه اللازوردي يمتد هائلا‘ نرى على الأفق بعض السفن العابرة وأسرابا من الطيور سابحة في الجو‘أما مراكب الصيد الصغيرة فجاثية على الشاطئ تأهبا لغزو البحر ليلا.نجلس على إحدى القطاطي السياحية النظيفة المطلة على البحر ونطلب سمكا على الجمر ولكني أشدد على النادل ضرورة عدم إضافة أي توابل .الطاولات المتناثرة حولنا يشغلها الخواجات من الجنسين ‘الذين تمتلئ موائدهم بالطعام والخمور معا .أرى ملصقا للحزب الشيوعي من بعيد يضم صورا لماركس ولينين وكاسترو ‘فالحرية تبلغ مداها هنا وكذا اللامركزية ‘حيث بعض حكومات الولايات يسارية.الآن مع نسمات الأصيل نتمشى على الشاطئ الرملي الجميل وعلى امتداده شاليهات يقطنها السياح وسط الخضرة وأشجار جوز الهند الناعسة ‘حتى نبات الطرفة هنا زها وسمق آخذا شكل سياج مديد .أمامنا في البحر الخواجات من الجنسين بالمايوه يسبحون ويلهون ويتريضون بلعبة ركوب الأمواج العاتية‘ التي يمتطون صهوتها فتقذف بهم إلى البر مع قوة المد فيعودون إلى العمق معاودين الكرة.إنهم بلا هم ولا غم يأخذون نصيبهم من الدنيا نزهة وحبورا وترفيها بعد عمل مسؤول جاد في بلادهم‘ دون خلط للأوراق مثلنا ‘إذ لا فرق لدينا بين عمل وإجازة !"كلو نكد"! بالقرب من هذا الموقع مقاطعة بوند شيري ‘وهي جيب فرنسي سابق تطبع بثقافتها‘ ولذا تشتد فيها حركة السياحة مثل مقاطعة قوا على الساحل الغربي التي كانت مستعمرة برتغالية تركت فيها بصمتها وجلبت لها زنوجا من مستعمراتها إفريقيا مثل أنجولا وموزمبيق للخدمة في مزارعها فاستقروا إلى اليوم وصاروا هنودا . وهي ملاذ للمتعة شهير تسوده سياحة الجنس‘خاصة في المواسم مثل أعياد الميلاد ‘وقد تلكأت البرتغال في الرحيل منها وحين نفد صبر الهند حركت جحافلهم ففر البرتغاليون ‘الذين لا قبل لهم بمواجهة الملايين الزاحفة! في الحديث التالي سأحكي لكم كيف قضينا ليلتنا هنا ‘ولقائي بعميد النوبة والسودان ..لكم محبتي

</B></I>
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.agrteg.8m.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر الدولة : السعودية
الجنسية : سوداني
عدد المساهمات : 272
نقاط : 397

من روائع الاستاذ أنور محمدين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع الاستاذ أنور محمدين    من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 29, 2010 8:58 am

في الجامعة وعنبر القلب ..(18)
المشهد في غاية الروعة على الخليج كأنما نتأمل لوحة فنية.ولكم أن تتصوروا كم لافت منظر الخواجيات بالمايوه لإنسان مثل كاتب السطور قادم من بيئة محافظة برتبة جدا. نتجه يمينا حافيي الأقدام على الرمل الذهبي ونسير على لسان حجري ممتد داخل البحر إلى منتهاه حيث تمثال لبوذا ضخم كأبي الهول ونعود بالجانب الآخر والنسمات تدغدغ الحس وتلهب الخيال لنجد ألعابا يلهو بها الشباب ثم محال أناتيك ونمضي إلى السوق مع المغيب وفي ساحته حركة نشطة.. أرى خواجيات يسير في معيتهن شباب هنود لا بد أنهم يرتبون لقضاء الليلة معا! إضاءة قوية تدورمحوريا لإرشاد فلاليك الصيد المتوغلة في لباب اليم إلى اليابسة.الأذان يرفع من على المآذن.بوابة معبد تستقبل المدعوين لعرس من الجنسين بينما موسيقى صاخبة تنبعث من الداخل.بعد أن نصل الفندق يخرج بسام لبعض الأغراض ويعود وقد صادف في الشارع سودانية تسير رفقة هندية وأتحسر على عدم خروجي معه ‘لقد كنت سأسلم عليها وأطمئن على أحوالها.لا شك أنها إحدى طالباتنا تمضي عطلة الأسبوع مع زميلتها.الصباح أقف على شرفة الفندق وقبالتي لافتة تقول ترجمتها: مركز إعلام الأطفال والنشاط بدعم من الجمعية الأمريكية اليهودية للخدمات العالمية وأنادي بسام ليرى .أمامي بنات يكنسن الشوارع بهمة وأخريات يملأن جرار بلاستيك تشبه الفوالات بماء ماسورة الشارع .الحياة هنا تميل للفردية بدليل نزلاء دور المسنين المتزايدة أعدادهم‘ وقد سمعت عن أب يأكل في المطعم وابنته المتزوجة التي تسكن جواره لا تحفل حتى بزيارته! فالزواج هنا أقرب للتملك.نسرع بالعودة إلى مدراس على متن الحافلات التي تمر بواقع كل 10 دقائق ونصل رئاسة الجامعة . إلى اليمين نجلس وسط شجيرات تحنو علينا بظلالها الوريفة ‘بينما نتناول طعامنا والشراب من الكافتيريا التي أمامنا‘التي يتوافد إليها الطلاب من الجنسين‘الذين يختلفون إلى المكتبة المركزية التي تعلوها رغم عدم وجود كليات هنا.تفشى خبر وصولنا بالجوال فها هم طلابنا يفدون إلينا‘خاصة المتخرجين‘بينهم سمير من مفركة‘ الذين يتابعون إجراءاتهم البطيئة وسط بيروقراطية تكبل الخدمة المدنية في هذه البلاد ‘فهم يوزعون عملا كان يمكن أن ينجزه موظف واحد بالكمبيوتر على عدد من الموظفين الذين يتلكأون فيه ما يفتح مجال الواسطة والرشا حتى في بعض دوائر الشرطة التي تتولى الجوازات فها هم طلابنا يرابطون هنا 18 يوما لتوثيق شهاداتهم التي استخرجوها من كلياتهم.إنهم يأتون لمؤانستي ثم ينفرون لمتابعة أوراقهم في الداخل على مدار اليوم.وحين أمل الجلوس أتمشى حول المبنى المركزي وسط الشجر ‘بين عشرات المواتر التي "ركنها" الطلاب والموظفون‘ فضلا عن عدد من السيارات المتنوعة.في إحدى المرات كنت أقف أتأمل داخل الصالة حين توقفت سيارة خارجها ‘فأسرع حارس جامعي يزيح الناس عن الطريق‘ منبها إلى وصول نائب مدير الجامعة‘ بينما حمل آخر حقيبته المنتفخة وهو يمضي إلى مكتبه لا يلوي على شيء‘ إنها طقوس أقرب للتي تعد لنائب رئيس جمهورية! وعلمت أن الطريق يخلى من الطلاب وحتى الأساتذة عند مرور المدير أو نائبه‘اللذين يسافران كثيرا للخارج في مهام أكاديمية. أخيرا تسلم طلابنا مع المساء شهاداتهم فجاءوا يحضنونني فرحين‘ قائلين {كراعك باردة} فنلتقط الصور التذكارية.وأطلب زيارة عميد السلك الدبلوماسي الشعبي هنا الغالي سمير همت‘ الذي قابلنا بحفاوة أهله آل جريس الميامين وسماحتهم وألبسني خفا وسار بي في مركز القلب العالمي الذي يعمل فيه إلى عنبر الجراحة لأرى مرضى من العراق بينهم استشاري جلدية ‘كينيا ‘فيجي‘ السودان ‘يوغندة‘المالديف‘ وحتى جزر الكاريبي النائية.أجريت عملية قبل أسبوع لرضيعة عمرها 48 ساعة! وخلال الأسبوع أعيدت بحرينية جاءت محولة لأنها صحيحة ! نسبة النجاح 94% من 35 ألف عملية جرحية (لا جراحية لغة) والأسعار أرخص مقارنة بالأردن مثلا وفي الردهة ملصق يحمل صورة قلب كتب تحتها: نحن نفهمه لذا نحسن التعامل معه! وفي مدراس مركز شهير للعظام أيضا يعيدون فيه أوضاع من تهشمت عظامهم بالحوادث المرورية أو غيرها.
قادنا العزيز سمير إلى المطعم العربي لننال عشاء فاخرا مع لطفه وغيرته النوبية وحدبه على طلابنا ‘كيف لا وهو الذي درس هنا حتى الماجستير وذاق مرارات الغربة كلها!؟ وسمعت في الطريق قصة هندي سافر للسودان 9 مرات للاستثمار في صناعة الجلود وعاد زاهدا نتيجة الابتزازوالمغالاة في الإيجار وعدم احترام المواعيد! وشكرا لمن أهدى إلينا عيوبنا أو بعضها لعلنا نتعلم ونتعظ!
الأخ سمير يودعنا معتذرا بالرهق وقد توغل الليل وها هو يمتطي دراجته البخارية ‘معتمرا خوذته مثل شرطة المرور وينطلق أمامنا إلى بيته بينما يرافقنا موكب المودعين إلى محطة القطار لرحلة جديدة..خلال الحلقة التالية سنعيش معا قصة اتهامنا بالتحايل..وداعا.

</B></I>
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.agrteg.8m.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر الدولة : السعودية
الجنسية : سوداني
عدد المساهمات : 272
نقاط : 397

من روائع الاستاذ أنور محمدين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع الاستاذ أنور محمدين    من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 29, 2010 8:59 am

[size=21]بنغالور .. قلعة التكنولوجيا ..(19)
فارقت مدراس وفي نفسي شيء من حتى لأني التزاما بهرمونية الرحلة وتراتيبيتها لم أعرض قلبي المسكين الأخضر على المركز العالمي‘الذي يضطلع حتى بزراعة القلوب‘ لأطمئن أنه لايزال بخير ويحتمل مزيدا من التجارب وهو الذي عانى الانكسارات كثيرا والانتصارات قليلا ويقف حاسر الرأس عند كل جمال.أسارير الصبح تنبلج وأرى من نافذة القطار إعلانات ترويجية عديدة لبرامج الكمبيوتر وفهمت أننا على مشارف المدينة.العجلات تكف عن الدوران ونحمل حقائبنا ونصعد الجسر العلوي للمحطة ونخرج لندخل كافتيريا أنيقة عند البوابة الخارجية ونطلب شايا بحليب وبسكويتا .بسام يصعد للدور العلوي طلبا للحمام .أمامي أسرة على الطاولة المجاورة.. شابة مشرقة بالجمال تجلس عند طرفها ولكنها حين تشرع الأسرة في تناول مشروباتهم تستدير ناحيتي بابتسامة فسرتها لمصلحتي بأنها تقول :أنا وحيدة! وحين فرغنا من مبتغانا تركنا المكان وودعتها بابتسامة تعني: ما في اليد حيلة! الآن نحن في موقف الحافلات الداخلي الضخم ‘الذي تتوسطه محال تجارية متنوعة حيث نودع عفشنا في مستودع لقاء أجر زهيد ونركب حافلة تنطلق بنا من قلب المدينة‘ النظيفة ‘المورقة الخضرة .على الجانبين عمارات حديثة الطرز‘ مصطفة في تتابع بديع تغطي أحياء كاملة لم أر مثلها قط من البهاء والكثرة‘كيف لا وهي من آخر المعاقل التي رحل عنها البريطانيون بعد أن تركوا بصماتهم البادية. ها نحن نصل قلعة الكمبيوتر العملاقة بعد مسير 50 كلم .يسمح لنا الحرس بالدخول بعد تسجيل بياناتنا. الميدان الزاهي الاخضرار يلعب فيه صبية الكريكت.عمارات تطاول السماء تشمخ في تتابع تابعة للشركات العالمية..هنا مقر إكسبلورر وتلك خلية نيفيقيشن وهكذا ‘التي تضخ المليارات في شرايين الاقتصاد الهندي المتوثب‘الذي تجاوز ألمانيا وسيتخطى اليابان خلال 10 سنوات ..إنهم ههنا يصنعون المستقبل ليس للهند فحسب ‘بل للبشرية أيضا بإعداد البرامج وتطويرها بخبراء هنود بارعين وأجانب وقد تم أخيرا صناعة أصغر وأرخص كمبيوترفي الدنيا في هذه البلاد التي تركب الأفيال. حركة العاملين لا تكف عن البذل فهناك عشرات الصناديق ترفع بمصاعد جبارة وحراس متيقظون بزيهم المميز ينتشرون ورغم ذلك تسترق كاميرتنا بعض اللقطات آخرها مع حراس البوابة الخارجية.أحدهم يساعدنا بإيقاف حافلة ندخل جوفها شاكرين عائدين. في الطريق ألمح مقر شركة أنتل العالمية ومراكز بحوث عديدة . ننزل هنا لنزور متحف العلوم والتكنولوجيا‘الذي يعج بالزوار.نبدأ بديناصوريتحرك هيكله العظمي كهربيا ونقف عند مختلف الأجنحة..الاتصال‘الجوال‘البرق‘الكهرباء‘ الطب‘.وفي كل منها صور ومجسمات وألعاب للأطفال ذات علاقة بالنشاط .من بين المعروضات نماذج للصوارخ والمجسات الفضائية الهندية‘التي أطلقت هذه الأيام صاروخا بعيد المدى من منصة في عمق البحر‘ التي باتت قوة رادعة على المسرح العالمي.وفي هذه القاعة صور أعظم العلماء والمخترعين ونبذة عما حققوه للبشرية مثل كوخ‘باستور‘أديسون وفلمنج مخترع البنسلين.واستوقفتني صورة بقرة مصرية وطريقة استخلاص السمن من لبنها بخض القربة مثل قرانا.نخرج من المتحف عائدين لتسلم أمتعتنا ‘متجهين إلى موقف حافلات المدن الأخرى وهو مبنى فاره أنشئ على نفقة الحكومة الأسترالية‘كما تقول لافتة ضخمة في أعلاه.نتناول غداءنا في مطعم واكتفي برز أبيض دون إضافات لا أحتملها.أرى عسكريا يقتاد سجينين إلى حافلة. وبالمناسبة الهنود قوم مسالمون فهم قلما بتشاجرون ويرتكبون الإجرام‘فمثلا رغم عددهم الذي يقارب مليونين في السعودية كأكبر جالية ‘ تنحدر نسبة جرائمهم مقارنة بغيرهم.
ما إن تحركت الحافلة الحديثة من قلب بنغالور متجهة بنا إلى محطتنا التالية وأنا مستغرق في إمتاع ناظري بمعالم المدينة الراقية جاء الكمساري يطلب التذاكر‘التي أخرجها له الجميع ماعدانا فرغم تفتيشنا المتكرر للجيوب وما في معيتنا من أشياء لم نعثر لها على أثر.وتصاعد الموقف إثارة بإبلاغ الكمساري السائق واتفاقهما على ضرورة تغريمنا ولكن بسام الذي تركته يحاورهما لأنه أقدر مني لغة وأعرف بطباعهم (تجوعل) وطلب منهما في غضب الذهاب بنا إلى الشرطة مادمنا متهمين بالباطل وتوعد بأن يتصل بالسفارة لحمايتنا..ألا نحمل بطاقة سفيرنا ودعمه الشخصي؟ وتنفسنا الصعداء حين تطوع راكب ليشهد أننا حصلنا على التذكرة أمامه.وسرعان ما كانت مشكلتنا حديث الركاب أجمعين فهم مثلنا يحبون (الشمار)! وحين سألونا عن بلدنا قال لهم بسام إننا من إفريقيا متعمدا‘فالسودان بالنسبة لبعضهم ربما قرب البرازيل وفي أحسن الأحوال جوار الأهرامات وربما دارفور‘ولا ريب أن بعضهم سيجزم أنه بقعة من بلادهم الحدادي‘مدادي ‘هذا إذا سمعوا به أصلا! خفت صوت موضوعنا وانشغلنا بالتفرج على الروابي الخضراء وأشجار جوز الهند الباسقة واحتفالات هنا ومهرجانات هناك وما أكثرها ‘الأمر الذي ذكرني مقطع أغنية (السيرة مرقت عصر) للمطربة الشعبية حواء الطقطاقة‘التي نشاهدها في التلفزيون تلبس ثوبا بلون العلم يوم استقلال السودان ‘أمد الله في أيامها. في الطريق تلقينا اتصالين ‘أحدهما من العزيز سمير همت من مدراس يفيدنا بأن السائق التابع لمركزهم الذي أوصلنا للمحطة قدم له جوالا نسيناه وقد كانت فرحتنا عظيمة لأنه يختزن بعض صور الرحلة ‘والآخر من مضيفنا في المحطة التالية بستفسر عما أفضله من أكل فقلت ضاحكا: كسرة القمح (كاباد) بالحليب‘ثم القراصة بأي (ملاح) ثم السمك..هذا في البيت أما هنا فأي طعام سوداني أشتهيه ولو ما كنا نكرهه في داخليتنا في شندي مثل (البراطيش) أي طبيخ الباذنجان الأسود‘ والقاورما ‘ أي طبيخ صغار البصل ‘ سيئي الصنعة ‘رديئي السبكة!
الآن وصلنا مدينتنا الجديدة مع حلول المساء ‘وحين فتحوا بطن الحافلة من أسفل لنتسلم أمتعتنا وجدنا تذكرتنا مرتاحة فوق إحدي حقائبنا فأسرع بها بسام إلى السائق والكمساري لتبرئة ساحتنا أمام الركاب. بعدئذ لم نجد أحدا في انتظارنا فدعونا نتريث..في الحلقة التالية: انظروا لهذا الحمار البشري!
[/size]
</B></I>
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.agrteg.8m.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر الدولة : السعودية
الجنسية : سوداني
عدد المساهمات : 272
نقاط : 397

من روائع الاستاذ أنور محمدين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع الاستاذ أنور محمدين    من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 29, 2010 9:00 am

[size=21]ميسور ..بلد السرور والصندل (20)
جاءنا مضيفنا بعد حين من وصولنا على ظهر دراجته البخارية واستقبلنا بالحضن الحار فبينه وبين بسام مودة حميمة‘الذي سافر من مدينته إلى هنا قبل عامين لترتيب قبوله.أردفني عوض الله وراءه بينما تبعنا بسام على دراجة أخرى .ها نحن نشق الشوارع ثم ندلف إلى شارع فرعي أفضى إلى بيته ‘حيث عاجلنا بعصير أعفبه سمر اتضح معه أنه جار خالتنا وأهلنا في أم بدة - الردمية ‘ وأسرته في الجزيرة تجار‘وشقيقه يعمل بين السودان والهند تاجرا‘وهو نفسه عمل في التجارة فترة وها هو يحوز عددا من المواتر ويؤجرها للطلاب ما يوفر له دخلا .آويت إلى فراشي في غرفتي التي خصصت لي مبكرا كعادتي تاركا لهما مواصلة استقبال طلابنا ال 16 الذين يدرسون هنا الكمبيوتر والصيدلة والعلوم والتجارة فأنا من تلاميذ حكيمنا فرح ود تكتوك الذي أوصى بالنوم مبكرا والصحو (بدري)‘ وهو من قال (آخر الزمان الناس تتكلم بالخيوط وتسافر بالبيوت)‘ وهو ما تحقق الآن!
صحوت مع بزوغ قرص الشمس وفتحت نافذتي المطلة على الخارج لأجد خضرة ممتدة وبعد التهيؤ خرجت أتمشى ..فلل جميلة تطل على الشارع الداخلي على الجانبين .الرجال ينصرفون إلى أعمالهم وبعض السيدات يتابعن خطوي بجلبابي من على الشرفات وفي حديقة البيت المقابل تتجمع الأسرة وتحش جريد شجرة زيت النخيل وهي لهم دواء وغذاء‘بل أحيانا كساء مثل عمتنا النخلة في شمالنا.ولحق بي عوض الله ليقودني إلى كليتي الصيدلة والتجارة الواقعتين خلفهم. وعدنا وعلى أكواب الشاي أدار لنا فيديو صدح فيه الجابري بأغنية رسائل وسيد خليفة ب (قايل الناس نسوه) وانتشيت بهما.الآن تدخل الشغالة الهندية التي تغسل وتطبخ لقاء ألف روبية أي ما يوازي نحو 100 ريال سعودي شهريا ‘التي علموها بعض الأكلات السودانية وتخدم عددا من طلابنا.وانضم إلينا الشاب عاصم وهو من قرية شبتوت المتاخمة للخندق‘التي لنا فيها أهل أغرقوني بكرمهم حين زرتهم قبل سنوات متنقلين بي من بيت لبيت.وقادنا الحديث لتشتت السودانيين في الآفاق ‘حيث حكوا لي أن زملاءهم من جزر المالديف ‘الواقعة في المحيط جنوب الهند يتكلمون عن حامد السوداني ‘الذي تزوج منهم وأقام بينهم!
انطلقنا بدراجتي الشابين إلى حديقة الحيوان الفسيحة‘ حيث استقبلتنا الزرافة مادة رفبتها المديدة تجاهنا وتجاوزناها إلى أقفاص الطيور المتنوعة وأعشاشها‘التي تعطر الأجواء بأغاريدها الرائعة وشقشقتها المحببة ويزدان المكان بألوانها الزاهية.ومررنا على خزائن ملك الغابة ولبؤته وعلى الفهد المبرقع ‘الذي يتمطى ويتثاءب في تكاسل وتحد ٍ على رابية غير عابئ بالزوار ‘قبل أن نلتقط صورا مع (قريبنا) الفيل الإفريقي وندلف إلى قسم جحور الحيات وبيوت الثعابين التي يقشعر لها بدني فأسرعت إلى كافتيريا أشرب فيها عصيرا وأتفرس في جمال الفاتنات وأسرح بخيالي إلى زيارتي قبل أعوام حديقة الحيوان في الجيزة في مصر ‘حيث وجدت كثيرا من الحيوانات جاء على بطاقاتها أن من مواطنها السودان.بالمناسبة أين حديقة الحيوان الجديدة ‘الموعودة في عاصمتنا بعد أن التهمت عمارة شاهقة مكان القديمة؟ بعد الاستراحة أكملنا الطواف وخرجنا لنجد خارج البوابة ملصقا كبيرا تحتله صورة سياسي هندي جعل له خصومه أذني حمار‘ وكأنهم يقولون إنه امتداد لبهائم الحديقة! ولا ريب أن أنصار هذا سيمسحون بخصومه الأرض ولكن بأسلوب التندر نفسه ‘وليس بالعكاكيز والمكائد‘أوليست الهند كبرى ديمقراطيات الدنيا؟
الآن وصلنا الفصر الملكي التاريخي ودخلنا عبر بوابة ضخمة لتطالعنا مباني قصر فخم أسس أصحابه هذه المدينة وحكموا المنطقة إلى ما قبل قرن تقريبا .نخلع أحذيتنا ونسلمها لمختصين مع عشرات غيرنا وكذا الكاميرات وندخل حفاة.نسير في ردهات القصر الجميل الفسيح ونتفرج على صور العائلة المالكة السابقة ومقتنياتها .ها هنا العرش‘ إنه من الذهب الخالص! ونصعد إلى الأدوار العلوية ونزورها...يا لروعة النقوش وبديع النمنمات ونفاسة الموجودات! أخيرا نعود للخارج‘حيث في جانب منه ركوب الفيل الذي يجعلونه محاذيا لجدار تقفز منه على سرج الحيوان الضخم الذي يمضي متثاقلا‘ متمايلا بحمولته من الجنسين‘الذين يجلسون في صفين متعاكسين وسط تشجيع المرافقين ‘غير أن شجاعتي خذلتني فقد هبطت من الجدار خوف الوقوع بينهما ..متى كنت متهورا ؟! وأرى أناسا يتجمهرون هناك ‘إنهم محبو ركوب سفينة الصحراء وقلت في نفسي (مالنا ومال المغامرات؟).. في الخارج مررنا على كناتين الصناعات اليدوية الدقيقة قبل أن نعود إلى البيت ونقبل على قراصة الهندية ببامية لذيذة.وجاء ساعي البريد يحمل خطابا لرب البيت عوض الله ويحرص على توقيعه بالتسلم وأعلم أن خدمات( البريد) راقية هنا وتنال الجوائز العالمية على تميزها ..أين بريدنا الذي تواصل به المحبون وغنوا له وبه يوما ..خذ مثلا أغنية (البريدو ما لو اتأخر بريدو ..؟
اليوم الأحد ..إذن نحن محظوظون ففي هذه الأمسية من كل أسبوع تضاء أنوار القصر الملكي كاملة الذي زرناه نهارا..يا إلهي ! إننا نرى شلالات من الضياء تبهر الجماهير الغفيرة المحتشدة في ساحاته الواسعة.أمامنا 100 ألف لمبة مشعة والقصر المنيف يتلألأ في تيه في بحر الأضواء ومهرجان الجمال! في الثامنة أطفئت الأنوار كالمعتاد وتحولت جدران القصر الفاره إلى لون برونزي آسر ويستمر السياح في اصطياد اللقطات التذكارية بكاميراتهم الحديثة.
أردفني عوض الله وجلس بسام وراء عاصم وتحركنا نشق المدينة مسرعين .بعد قليل أحسست بالارتفاع وطلب مني قائدي الالتفات إلى المدينة فإذا بها تحتنا تغرق في الضياء ولاحظت أننا نسرع إلى قمة هضبة‘ في شكل حلزوني ودب الرعب في دواخلي ‘لكن دون جدوى! أحيانا تلامس دراجتنا حافة الهاوية وأميل للداخل خشية الوقوع فيطلب قائدي أن أكون عاديا وأحاول الامتثال لرجائه والاستقرار ولكن هيهات! أخيرا وصلنا ...ها هي المدينة تترامى تحتنا سابحة في الأنوار ويطل عليها الشباب لكني أعطيها ظهري مهموما بالعودة‘ وإذا بهم يقترحون الصعود أمتارا أخرى للجلوس أمام المعبد القائم هناك وتناول المشروبات غير أني أعتذر طالبا ذهابهم والعودة لي غير أنهم آثروا الرجوع إلى السفح ‘وما أحلى الرجوع إليه! وفي العشاء قضينا ليلة انس حلوة ورائحة الشواء تملأ المكان عند الطلاب الذين أولمونا بطعامهم الدسم وقبله بلطفهم الرغيد. وتصبحون على خير.في حديثنا القادم ..هذا يتزوج كلبة وأولئك يعبدون الفرج ..لكن لماذا!؟
[/size]
</B></I>
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.agrteg.8m.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر الدولة : السعودية
الجنسية : سوداني
عدد المساهمات : 272
نقاط : 397

من روائع الاستاذ أنور محمدين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع الاستاذ أنور محمدين    من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 29, 2010 3:56 pm



[size=21]السفر إلى القمر .. (21)
صبيحة اليوم الثاني‘الأخير في مدينة ميسور الجميلة زرنا قلب الوسط التجاري وتوجهنا إلى أهم مراكز العطور والطيب والصندل ووجدناه عامرا بالمعروضات المختلفة مع جناح بالمقتنيات الأخرى ولكن الأسعار كانت أعلى من حيدر آباد بقليل غير أنه لم يكن هناك بد من الشراء ففعلنا.تضم هذه المدينة حديقة شهيرة بالتدرج فكل مستوى فيها مختلف عما قبله وما بعده من حيث النباتات والمناظر‘ في بانوراما رائعة تحاكي الطبيعة السخية فيها مدرجات ستادات كرة القدم المعروفة‘ وفي أسفلها عيون مائية تجعلها شبيهة بأرض الأحلام لذا يكثر فيها الزوار ومصورو الأفلام وغيرهم من جماعات الرحلات وعشاق الجمال.وصورتها لدينا تزدان بها بعض المطاعم والمكاتب‘خاصة ذات الصلة بالزراعة وتنسيق الزهور .
شرق ميسور معبد الحيات ‘حيث يعبد قوم نوعا ساما منها‘ وهي تقتل بلدغة واحدة لذا يرفعونها لدرجة الألوهية ويعبدونها ! وحين دهشت من هذا قيل لي : ما العجب؟ هناك طائفة تعبد عضو الذكورة وتقدسه باعتباره مسؤولا عن إنبات البشر وبالتالي إعمار الأرض بينما تذهب أخرى إلى عبادة الفرج بحسبانها جهة الخصوبة في إنتاج البشر ‘أما نحن فنلوذ بمبدئنا السماوي "لكم دينكم ولي دين".
بعد الغداء توجهنا إلى مكتب سفريات للوجهة التالية ووجدنا صفا من الحافلات الصغيرة فئة 15 راكبا حيث وضعنا أمتعتنا وصعدنا إلى أولاها بينما تلاحقنا رجاءات العزيزين عوض الله وعاصم أن نبقى معهم يوما آخر‘ ولكن البرنامج معد مسبقا واحترامه أساسي لعامل الوقت فظلا يتجاذبان أطراف الحديث معنا حتى دارت عجلات الحافلة وفي القلب لوعة الفراق.
الطريق على الجانبين أشجار وقرى ومحطات خدمة للوقود واحتياجات المسافرين وجماعات الطلاب تعود لبيوتها بعد يوم تحصيل طويل وجاد.بعد أن توغلنا في المسير لاحت غابات كثيفة في وسطها أشجار الصندل المحروسة ‘التي تتعرض أحيانا لهجمات المافيا أي العصابات المحلية‘ التي تضع يدها عليها أحيانا للاستئثار بهذا الكنز الثمين.أليس مغريا أن تمتلك غابة من أشجار الصندل وتتصرف فيها كيفما تشاء؟ ويقول الهنود إن سيدنا آدم هبط من الجنة إلى الأرض في سريلانكا المجاورة‘ أي سيلان وإن شئت جزيرة سرنديب ‘ كما في بعض المطبوعات القديمة ‘ويقولون إن جسرا أو سدا كان يربطها بالبر الهندي ‘الذي سار فيه وبه إلى هذه البقاع وأينما مشى أبو البشر بقدميه الطاهرتين نبتت أشجار الصندل ذات الرائحة الطيبة! أما أبو البشر الثاني سيدنا نوح فمعروف أن سفينته رست على جبال أرارات في تركيا.
شيئا فشيئا وجدنا أنفسنا وسط الأدغال و"السفاري" حيث لا يوجد موضع دون شجر ممتد سوى طريقنا. نلحظ تحذيرات بارزة هنا وهناك بعدم الخروج من الطريق لوجود الحيوانات المفترسة‘ التي تسرح داخل هذه الأدغال الكثيفة وتمرح بلا ضابط ولا رابط . وبين الحين والآخر نجد معسكرات لحرس الصيد بزيهم الكاكي وقبعاتهم العريضة وبنادقهم الجاهزة لأي طارئ! ونعبر بعض الجسور المقامة على أنهر تنساب مياهها في جريان سريع‘ وأخاديد غائرة في الوديان العديدة. هنا لافتة تقول إن أمامنا 20 كيلو مترا لمقصدنا وهذا ما زرع الطمأنينة في نفسي ‘فالارتفاع الذي حدثوني عنه والذي فكرت بسببه إلغاء هذه الجزئية من الرحلة لم يكن سوى هذا الصعود المتدرج الذي مضينا فيه وقطعناه ولكن آه !لا تتعجل في إصدار الأحكام فسيارتنا الصغيرة تدور حول أكتاف هضبة ببطء وتمهل وحذر وما إن تنتهي من لفة تشرع في أخرى في مسارات لولبية ثعبانية‘ والمساء بسط رداءه وأرى المنظر من حولي خلسة فأجده أودية سحيقة مغطاة بالخضرة والشجر فأرد طرفي حالا خوفا ورهبة من حدوث مكروه فأي انحراف ولو لسنتيمترات يعني أن نذهب هباء كالعهن المنفوش ‘أي كالصوف الملون ‘ألسنا نرتدي مختلف الألوان!؟
حين تمكن الخوف مني سألت بسام الجالس جواري رابط الجأش وهو المعتاد هذه الأماكن : ألم نقترب بعد؟ فقال إن هذه اللفة هي السادسة ففهمت خطأ أن الأشواط المتبقية 6 غير أنه صححني بأن المتبقي فقط 30 لفة لا غير!! فأنبته كيف يأتيني إلى" خشم " الموت هذا طوعا واختيارا فبات يهدئ من روعي ولم أملك سوى الانكفاء على ظهر المقعد الذي أمامي وأنا أتلو كل ما تذكرت من آيات النفاذ من "المطبات" و"الزنقات" في "جرسة"لا أحسد عليها.الشيء الوحيد الذي كان يطمئنني قليلا وجود بعض السيدات معنا في الرحلة العجيبة ! أقول قليلا ف "العمر مش بعزقة" على رأي إخواننا المصريين. الآن أتنفس الصعداء فقد وصلنا أخيرا إلى بلدة في مكان شبه فسيح تقوم بيوتها على حواف واد عميق معلقة أشجارها متمايلة فتعجبت كيف تسير حياتهم هنا وما الذي يجبرهم على البقاء فيها وبلادهم مترامية الأطراف ..أهو الولاء والانتماء؟ ولكن حينما نزل ركابها وواصلنا السير اكتشفت كم كنت مفرطا في التفاؤل فها نحن لانزال معلقين بين السماء والأرض وبسام يداعب أملي بقرب الوصول. أخيرا بعد يأس وصلنا بعد تسلق نحو 2300 متر إلى قمة الهضبة ‘ التي ترقد فيها مدينة صغيرة بشوارع ضيقة وهي ملاحظتي الأولى.لم نجد أحدا في انتظارنا ‘لكن بسام يعرف المنطقة وبيت مضيفنا جيدا فركبنا ركشا إلى الموقع لندخل إلى عمارة عالية ونأخذ المصعد إلى الدور قبل الأخير ‘حيث أحسست أنني في هذا العلو الشاهق أعانق السحاب وأجاور القمر !
كالمعتاد خصصت لي غرفة نوم بسرير كبير"دبل" رحت أرتب وضعي فيها تمهيدا للنوم بعد ترحيب ضاف من مضيفنا وزملائه الكرام‘عل النوم ينسيني ما لحق بي من جزع ورعب ‘والصباح رباح لنرى المنطقة ونقيس إن كانت تستحق مثل هذه المجازفة ‘ولعلها تبرز مفاتنها غدا‘ وتصبحون على خير.. في اللقاء الآتي: هذه عمرها 200 مليون سنة!! علاوة على قصة عريس الكلبة ‘ التي أجلها ضيق الحيز.

[/size]
</B></I>
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.agrteg.8m.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر الدولة : السعودية
الجنسية : سوداني
عدد المساهمات : 272
نقاط : 397

من روائع الاستاذ أنور محمدين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع الاستاذ أنور محمدين    من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 29, 2010 3:57 pm



أوتي .. جنة المصايف .. (22)
قمت من نومي مبكرا يدفعني حب الاستطلاع فوقفت أنظر من على النافذة لأرى هضبة فسيحة تكسوها خضرة زاهية ‘ترتفع عند أطرافها وتنخفض في تدرج إلى الداخل وأقيمت عليها المباني وشقت الشوارع‘التي تدب فيها الحركة ..أرى على المدرجات الخضراء نساء ينشطن في قطف أوراق الشاي ووضعها في جوالات يحملنها على ظهورهن من نباتاته التي تعمر نحو 100 عام‘يا ليتنا أعطينا عمرا مماثلا! وبينما قصب السكر موطنه الهند وهي الدولة الثانية بعد البرازيل في إنتاجه (والسودان الثاني بعد مصر إفريقيا) إلا أن الشاي أمره مختلف فقد استقدمه الإنجليز إلى هنا من الصين موطنه ومن الهند انتقل إلى سريلانكا ‘ التي تنتج أجود أنواع الشاي وأكثرها صحية وهو الشاي الأبيض ويليه الأخضر بينما نعكف نحن على الأقل جودة بحكم العادة. والشاي هو المصدر الثاني بعد الماء في إمداد الجسم بالسوائل ويقيه من جملة من الأمراض شرط تعاطيه باعتدال وبعد الوجبة بنحو ساعة على الأقل .بعد تناول الشاي قال مضيفنا الابن عبد الله عباس جعفر وهو من أبناء دلقو الطيبين‘ وتجمعه ببسام مودة وعشرة امتدتا من المرحلة الثانوية في الخرطوم‘قال : يا عمي‘ نحن سنجعلك تمسح الصورة القاتمة التي رسمتها عن مدينتنا من رهبة السفر ولأوائه‘ قلت :خيرا‘ فلبسنا وخرجنا ثلاثتنا نتمشى على الأرجل مخترقين بيوتا وسوقا للخضراوات ودكاكين علمت أن فيها "تيابا" سودانية‘ تصوروا "شيطنة " التجارة أو "الشطارة" فيها! وفي نهاية المشوار نشتري التذاكر وندخل حديقة زاهرة‘واسعة الأرجاء‘ غنية الأشجار‘ وافرة الأزهار اليانعة.نتوقف الآن عند جذع شجرة متحجرة قدر العلماء عمرها ب 200 مليون عام ! وفي متنزه عطبرة على شاطئ النيل جذع مماثل لم يكلف أحد من علمائنا نفسه لتحديد عمره ‘كما رأيت هيئة شبيهة في مكتب أمير منطقة الرياض ‘أما أكبر شجرة على قيد الحياة اليوم فشجرة صنوبر سويدية عمرها نحو 10 آلاف سنة.نطل الآن على ما وراء حديقة أوتي طمعا في مشاهدة قرية يقطنها قوم بدائيون ‘أبرز ما يميز مساكنهم أن أبوابها فتحات صغيرة سفلية لا تسمح بالعبور إلا لمن يحدودب ظهره! وربما يصممونها على هذا النحو لاعتبارات حمائية أو دفاعية.الآن ينضم إلينا أحد طلابنا فنلتقط الصور جوار أشجار ضخام ‘غلاظ‘وارفة الظلال وحولنا هنود يتفاعلون في غناء جماعي صادح في جو آسر..إنهم يهتمون بالترويح والرحلات وزيارة المواقع السياحية كثيرا‘ما ينم عن وعي بحاجات البدن والروح معا ومقتضيات العصر.نتجه الآن إلى البحيرة الناعسة التي ترقد في حضن الهضبة ونستأجر قاربا عاديا اخترناه دون الأخرى الميكانيكية ونبحر به على صفحة الماء الساكن ندفعه إلى الأمام بالمجاذيف وحولنا أخرى تتهادى ‘في بعضها زوجان وإن أردت حبيبان توافرت لهما عناصر الجمال‘المتمثلة في الخضرة والماء والوجه الحسن ‘بل وأجواء التفاهم والانسجام وربما الغزل.نبلغ الآن الشاطئ المقابل ‘حيث تتكاثف عليه أشجار تطمح إلى الجوزاء علوا وزهوا ‘تسرح بينها غزلان طليقة ‘ ثم نعود إلى المرسى بعد نزهة لا تنسى وروح الشابة التي انتحرت غرقا فيها قبل 4 سنوات لا تزال تهوم على ضفافها.نخرج منها بعد استراحة قصيرة على النجيل إلى حديقة عجيبة كل ورودها المنمقة وأزهارها المتفتحة وسيقانها النادية عبارة عن خيوط عادية أبدعتها 50 امرأة صبور على مدى 12 عاما تشكيلا وتلوينا‘ يسكن دواخلهن الإبداع والفن‘ ونمضي تستبد بنا الدهشة مما رأينا إلى طريق تحفه الألعاب ويتمشى عليه فرسان على صهوات جياد ‘كل يعرض علينا ركوب الخيل بأجر وأحدهم يكتشف هويتنا ويقول بعربية ركيكة إنه عاش في الخليج وعاشر السودانيين هناك.بعدئذ انطلقنا لزيارة كلية الصيدلة التي تضم 20 من طلابنا في الجهة الأخرى من المدينة‘ وفي أول قاعة وجدنا جزءا من نشاطات الأسبوع الثقافي السنوي ‘حيث الموسيقى الصاخبة والأجسام المتمايلة مع الإيقاعات وصعدنا إلى طوابق المبنى الخمسة‘ والتقينا في طريقنا أستاذا مسنا قيل لي إنه أحد الذين خططوا لمنهج كلية نصر الدين للصيدلة في السودان‘وزرنا المعامل والقاعات واسترعى انتباهي وجود معهد خاص باليوجا ‘وهي علم ورياضة هندية عريقة شاعت منها في الدنيا.واليوجا معناها الاتحاد‘ بمعنى اتحاد الروح والجسد والعقل بالتحكم في التنفس بعمق وممارسة رياضة محسوبة للتناغم بين مكونات الإنسان وإزالة التوتر والأوجاع.وخرجنا ليستضيفنا طلابنا ‘الذين يسكنون عند مخارج الكلية حيث أكرمونا بودهم وأنسهم الجميل وتوافدهم علينا في محبة.وعدنا إلى البيت وفي الطريق مررنا بصبية يعكفون على عمل الورنيش وتلميع الأحذية وآخرين يبيعون قناديل الذرة الشامية المشوية "القنقري".في المساء أجريت اتصالا بوالد عبد الله في الخرطوم أطمئنه عليه‘الذي طالبني بالمزيد من الوصايا للأولاد وشاهدت شريط حفل زواج أقيم في الخرطوم‘ هأنذا أرى الصديق عصام مصطفي فيه (المنامة) يرقص السامبا وأدعي أنني أنافسه فيها ولكني قطعا أفضل منه وأبرع في فن "الرقيص البلدي". وتجمع طلاب عديدون في البيت ‘الذين نشطوا في إعداد عشاء ‘كثير الأطباق‘ متنوع الأصناف‘ حيث تسيد الفول المائدة ‘الذي تنفرد هذه المنطقة بزراعته كعلف للحصين ويطلبه طلابنا من مواقعهم المختلفة وبوصوله "يعزمون" بعضهم بعضا ويقبلون عليه في شهية‘أليس الفول كبدة الفقراء!؟
ونختم بحكاية مثيرة تروج في المجالس والصحافة هذه الأيام وتتردد ‘إنها حكاية الشاب الهندي ‘الذي استعرض كل بنات حواء ولم يقتنع بأي منهن ووقع اختياره على كلبة ناعمة ‘جميلة ليقترن بها‘ وربما أراد أن يوفر على نفسه تكاليف "الشيلة" والحلي ومستحضرات التجميل ‘مثل مساحيق تبييض البشرة‘التي باتت تستقطع جزءا مقدرا من ميزانيات الأسر‘القليلة أصلا .وفي حفل الزفاف أعرب العريس عن سعادته بحبيبته بينما راحت شريكة عمره تهز ذيلها فرحة بالعرس وليلة "الدخلة"! إنه عالم الجنون وربما الفنون أيضا ..في الحلقة التالية: ما سر هاتين الخواجيتين؟!

</B></I>
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.agrteg.8m.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر الدولة : السعودية
الجنسية : سوداني
عدد المساهمات : 272
نقاط : 397

من روائع الاستاذ أنور محمدين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع الاستاذ أنور محمدين    من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 29, 2010 3:58 pm



[size=21]ما أحلى الرجوع "إليها" .. (23)
عند الوداع طلب طلابنا مني في أوتي السماح لبسام بالعودة إليهم لأنهم بصدد إعداد حفل بمناسبة تخرجه ووداعه فقلت ضاحكا : ذلك يعتمد على سلامة عودتنا إلى الأرض! الآن نحن في محطة القطارات في أوتي وقد تجمع عدد غفير من طلابنا لوداعنا ‘حيث آثرت السفر بالقطار بدل الحافلات المخيفة‘ وهو قطار بخار موروث من عهد الإنجليز‘عرباته محدودة‘ وشريط سيره ضيق.أطلقت صافرة التحرك فبت أودعهم واحدا ‘واحدا ‘بمن فيهم بسام (خطأ) فضج أحبابنا بالضحك. يتسلل القطار زاحفا والأكف تلوح مودعة بينما غلالة داكنة من الضباب تلف الهضبة تدريجيا ما ذكرني الرحلة الجميلة التي كنت فيها ضيف الشرف مع أساتذة مدرسة جبيت الصناعية في مصيف أركويت الرائع قبل سنوات وكيف أفلتنا من قبضة الضباب الكثيف في اللحظة الأخيرة. وجدنا أنفسنا في العربة الأولى الصغيرة التي لا تتسع لغير نحو 10 أشخاص مقابل خواجيتين..إحداهما في وسط العمر والأخرى" لسة في ريعان شبابها"‘حيث بادرتا بتقديم بعض الحلوى لنا وامتد الحديث وفهمنا أنهما من بلاد السين واللوفر ولكن ما العلاقة بينهما؟ لندع هذا جانبا الآن ونستمتع بسخاء الطبيعة ..الروابي شديدة الاخضرار‘قيعان الأودية السحيقة التي أتجنب إطالة النظر إليها غاصة بمختلف الأشجار والنباتات‘ الماء ‘ما أكثر الماء هنا ‘إنه ينبثق من أحشاء الصخور وأخاديد المرتفعات في نهيرات ومسايل متلاحقة.يتوقف قطارنا الصغير ذو العربات الخمس في محطة قليلا ويعرض باعة سلعهم ونكتفي بشاي ساخن‘ ونواصل المسير بينما راح بسام والخواجية الشابة يصطادان بكاميراتيهما المناظر الخلابة عبر النافذة..أرى بيوتا متناثرة على المدرجات ..بقرة وعجلها يرعيان في العشب النابت بالمطر الذي لا يخلف وعده‘ طفل غر يلهو أمام بيت.. ماذا لو فقد توازنه في هذا المنحدر وسقط ؟ شمس الأصيل تحاول عابثة هزيمة الغمام المتكاثف‘والزهر البري يتراقص ضاحكا هنا وهناك ‘ ونتوقف في محطة أكبر لندع قطارا آخر يعبر للاتجاه الآخر ما أتاح لنا فسحة التريض مشيا على الرصيف. بف ..بف ..بف نتابع الزحف والوابور الجرار يرسل بخاره الكثيف في الهواء. تتوثق علائقنا بالفرنسيتين اللتين في طريقهما إلى ولاية كيرلا القريبة‘ وهي التي يأتي منها معظم الهنود إلى الخليج للعمل‘وبينهم مسلمون كثر‘ ويكثر فيها زواج الأجانب من الهنديات فهو مجتمع منفتح ومتفتح والمنطقة مقصد سياحي شهير بمجموعة خلابة من الجزر بينها شبكة من خدمات القطارات والمعديات ‘ وأشهر مدنها كوتشين ‘ التي تربطها خطوط جوية مباشرة بالعواصم الخليجية وهي وجهة لليهود لأن فيها معبدا قديما لهم وقد كانوا ذات يوم كثرا في السودان وهم الذين أدخلوا إليه فن وحرفة صياغة الذهب والفضة عن طريق أهل بربر‘وتبوأ بعضهم أرفع المناصب في إسرائيل .نرى من بعيد بلدة عامرة ترقد عند السفح ولكن القطار يضطر للاستدارة زهاء ساعة في شكل هلالي‘ أي نصف دائرة للوصول إليها لوعورة المنحدر المباشر فيتلوى كثعبان متخم بالشبع بينما تسحب الشمس أشعتها وتغوص وراء الأفق وها نحن مع حلول المساء نصل الأرض المستوية‘ وما أحلى الرجوع إليها! إنني أزف البشرى في فرح غامر لطلابنا الذين يتابعوننا بجوالاتهم من محطتي المغادرة والوصول .
هنا أمامنا خياران للوصول إلى غايتنا التي تستغرق رحلتها نحو ساعة ..ركوب الحافلات أو اللحاق بقطار يبرح هذه المحطة بعد نحو نصف ساعة‘ وهو ما اخترناه .أحتل الآن موقعي في صف المسافرين مع الخواجية الكبيرة مع أمتعتنا بينما غاب بسام والصغيرة عنا في مكتب آخر لابتياع التذاكر.إذن نسترسل في الحديث فتوضح لي أن الشابة ابنة زوجها السابق وصديقتها‘ تصوروا سلاسة الطلاق لديهم وكيف يتخاصم المطلقون وكذا العائلات عندنا! يلوح مندوبانا بالتذاكر لنندفع مع رفاق السفرية الجديدة إلى عربة قطار ينطلق بعد هنيهة في مساره .نكتشف من خلال الحديث أن الكبيرة مطربة شهيرة في فرنسا وأعطتنا عنوان موقعها في الإنترنت وتملك مطعما في ناصية بيتها تفتحه في المناسبات‘ وتسكن على بعد 700 كلم من باريس يقطعها قطارهم في ساعتين و52 دقيقة! ‘وهي تماثل المسافة بين الخرطوم وعبري. وحكت أنهما زارتا جنوب إفريقيا وكينيا. أما الشابة فتعمل اختصاصية اجتماعية ولم أشأ أن أفاتحها بأني زميلها في التخصص. ها هو قطارنا يتوقف في محطته الأخيرة وهي مدينتنا الجديدة التي نقصدها ‘وهي ليست عادية‘ إنها التي احتضنت الابن بسام 5 أعوام ‘إذن نحن في طريقنا إلى بيته ‘بل إلى بيتنا وكان واجبنا دعوة صديقتينا الجديدتين لنيل الراحة عندنا حتى يحين موعد قطارهما التالي عند منتصف الليل.أربعتنا نتساعد على حمل الأمتعة ويتولى بسام استئجار سيارة تنهب بنا الأرض إلى البيت.ألاحظ من الوهلة الأولى ضخامة المدينة وتمددها وسط الأضواء الباهرة.أخيرا تتوقف السيارة أمام البيت فيخرج عدد من طلابنا كانوا في انتظارنا للترحيب بنا.إنهم يسارعون لاحتضاننا في فرح .وأهم بدخول البيت محفوفا بهم وإذا بالخواجية الصغيرة تداعبني في لطف وتقف عند الباب مرحبة بي أيضا ‘ما جعلنا نضحك.نأخذ مواضعنا في البيت وبعد عبارات الترحيب يأتي عشاء مترع بأصناف شتى وبعده تفرد غرفة للضيفتين للخلود إلى الراحة ويتصل السمر.الآن عادت السيارة التي جاءت بنا من المحطة في موعدها‘ الذي حددناه سلفا فنودع ضيفتينا بحرارة‘ اللتين ترجوان زيارتهما في فرنسا‘ ليتولى طالبان أمر توصيلهما إلى المحطة .وفي الحجرة التي كانتا فيها أستلقي على السرير لأغط في نوم عميق وغدا أمر.في الحلقة التالية: عجبي .. هذا يتزوج أخته طمعا!

[/size]
</B></I>
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.agrteg.8m.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر الدولة : السعودية
الجنسية : سوداني
عدد المساهمات : 272
نقاط : 397

من روائع الاستاذ أنور محمدين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع الاستاذ أنور محمدين    من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 29, 2010 3:58 pm



بنات الهند .. عدسة مقربة (24)
استيقظت من النوم ووجدت الابن أحمد الذي يساكن بسام وهو من أبناء الجزيرة يقدم لي كوب كركدي باردا‘ طيب المذاق - شرابي المفضل - ويجلس يؤانسني فشكر بسام وكيف أنه عاونه على المذاكرة وتنظيمها الأمر الذي دفع به إلى النجاح وأثنى على حسن عشرته ‘فقلت له : إنكما أخوان في الغربة‘وهذا بعض الواجب.وخرجت لأرى ما حولي فوجدت سلالم تفضي إلى سطح الدار فصعدت ورأيت امتداد الخضرة وسط البيوت في منظر بديع‘وبعد أن استنشقت نسمات عليلة نزلت فوجدت امرأة تدفع بعربة يد أمامها عليها خضراوات وفواكه تنادي الزبائن إليها‘ وعلى بعد أمتار نسوة ينشطن في عمليات بناء بيت بينهن بعض الرجال فالنساء هنا منتجات ‘مكافحات يبنين مع الرجال كتفا بكتف المنازل والجسور والطرق.ورغم ذلك تبدو النعومة على بشرتهن إلا العجفاوات‘ طاعنات السن أو الخائضات أوحال الفقر‘فالهندية عالية الاعتناء بزينتها‘ وتوظف الإكسسوارات..الخلاخل في الساق‘القرط في الأذن‘الخرزة في الأنف‘الأساور في اليد‘ الختم على بعض أصابع اليد والقدم‘وسلسلة ذهبية تتدلى من الجيد‘ ونقوش الحناء على الأطراف‘ ومن لم تجد ذهبا اتخذت من الفضة أو الذهب الزائف أو البلاستيك زينة‘ وما أجمل البساطة! أما الملبس فالساري الرهيف ذو الألوان الزاهية أو الجينز مع حسن اختيار اللون المنسجم والمقاس المضبوط الذي يبرز تضاريس الجسد بحساب ‘ دون ابتذال.وفي الطرقات تلتقي حسناوات يكسوهن الجمال والدلال وما أكثر من يصلحن ممثلات فاتنات أو مذيعات تلفزيون لافتات أو عارضات أزياء أنيقات‘ ولكن إياك و"المشاغلة" في الشارع العام فهي سبة ويعتد بأقوالها ضدك! ومواصفاتهن عالية ولم يكن اختيار ملكة جمال العالم من هنا مصادفة ‘بل أرى أنهن يملكن مقومات التربع على عرش جمال الكون مرات ‘ألا يصفون الحسناء عندنا ب"هندية"؟.ومن آيات جمالهن الشعر الحريري المنسدل على الكتفين حتى إلى ما بعد الخصر ولو تركوه دون قص ل " جر واطة"‘ صدقوني! ويدهنه بزيت جوز الهند‘ وهو من ميزات الهنود فلا يوجد شعر خشن أو فلفلي قط حتى في سكان الجنوب الضارب لونهم إلى السمرة المشوبة ببياض لنزوح أسلافهم الأوائل من إفريقيا قبل قرون سحيقة وهي حقيقة مؤكدة علميا ‘"يعني الجماعة ديل طلعوا قرايبنا"!
اقتحمت المرأة الهندية ميادين السياسة مبكرا فكان تموضع أنديرا غاندي على دست الحكم سبقا حتى بمعايير الغرب‘التي سارت على درب والدها نهرو أول رئيس عقب الاستقلال ‘أما اسم غاندي الرنان فجاءها من زوجها الفارسي الأصل.وفي البرلمان اليوم تشكل النساء 42% من حجم النيابة وهناك وزارة خاصة بشؤون المرأة. والأجمل أن الخفاض "طهارة" غير معروف "إنا خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" .أما الزواج فأمره عجب ‘فالمهر تدفعه الفتيات وكلما كان الشاب متعلما وخريج كليات علمية راقية ازداد مهره ما يشكل حملا على من أنجب بنات كثيرات وهذا من أسباب ترحيب فقرائهم بمصاهرة الأجنبي‘الذي لا يطلب مهرا ‘وأحيانا تتزوج البنت وعلى رقبتها ديون مطلوبة "باقي المهر" فتنال ليس مجرد الازدراء والنقمة من قبل أهل زوجها فحسب‘ بل ربما تدفع حياتها ثمنا لذلك‘في بلاد انتقل فيها 300 مليون فقير من إصابة وجبة واحدة في اليوم إلى اثنتين حديثا . والهندية مطيعة وقنوعة وعلى استعداد للعيش في كوخ مع زوجها الفقير ولو ترعرعت في قصر والد ثري (وهذا لا ينفي وجود نكديات)‘ وتتأقلم مع واقعها الجديد بسرعة ‘ وقد علمت كيف أن هندية متزوجة بمحسي تجيد الرطانة و"تظبط القراريص".وينتشر في الجنوب زواج المحارم ‘بل يفضل ارتباط الشاب بابنة أخيه أو ابنة أخته‘بل في حالة نادرة عقد رجل أعمال ثري قران ابنه على ابنته في حفل بهيج ‘أسطوري حتى لا يتسلل المال الدفاق إلى الغير "زيتنا في بيتنا"! والمرأة الأولى هي التي ترث زوجها ثم ينتقل لأبنائها ثم للزوجة التالية. وفي الهند طبقات أدناها فئة المنبوذين‘الذين يترفع الآخرون حتى عن ملامستهم ناهيك عن مصاهرتهم حتى لو بلغ أحدهم مراتب العلماء أو مصاف الأغنياء. وفي قائمة أغنى 25 رجلا في العالم "بينهم امرأة واحدة" 4 هنود ‘ مثل صاحب شركة تاتا ‘التي تشاهدون حافلاتها في كل طرقات الدنيا وشوارعها‘وقد اشترى حديثا شركتي لاندروفر وجاغوار في لندن وهما أيقونتا الصناعة البريطانية وفخرها‘ويقولون إنه ينتقم بذلك من سلب الإنجليز جوهرة جبل النور من بلاده وترصيع التاج البريطاني بها ‘التي لا تقدر بثمن! وتنتج شركته سيارة الشعب الأرخص عالميا بما يعادل 2500 دولار‘ وهو أيضا ملك صناعة الحديد والصلب في الهند وصاحب استثمارات ضخمة في الخارج.وتطفح الصحافة الشعبية الهندية بقصص الخيانة الزوجية والاعتداء الجنسي على المحارم ‘وهي ليست بعيدة عن مجتمعاتنا وإن بنسبة أقل ‘وفي منطقة قرب مدراس يسود تعدد الأزواج والنسب للأم‘وتطالب بعض العربيات بفرصة تزوج حتى 4 رجال أسوة بالرجال! و"ما فيش حدا أحسن من حدا"‘كما يقول الشوام! إنها العاصفة حين تولـَد خافتة! والهندوسية المتزوجة تضع صبغة حمراء شبيهة بالمناكير على جبهتها وفق تعاليمهم وتحاكيهن بعض السودانيات جهلا باعتقاد أنها زينة.يبدو أن وقوفي تحت هذه الشجرة الظليلة أمام البيت طال‘إذن لأدخل وأرى برنامج يومنا الأول في هذه المدينة الصناعية الضخمة..إلى لقاء.في الحلقة التالية: لماذا يجثو هذا الشاب بركبته أمامي!؟

</B></I>
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.agrteg.8m.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر الدولة : السعودية
الجنسية : سوداني
عدد المساهمات : 272
نقاط : 397

من روائع الاستاذ أنور محمدين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع الاستاذ أنور محمدين    من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 29, 2010 3:59 pm



[size=21]كمبتور .. مانشستر ج. الهند (25)
شاهدت هذا الصباح تلفزيون أمدرمان لأول مرة بعد أسابيع من الانقطاع ثم انطلقنا على ظهور دراجات نارية ملبين دعوة غداء‘ مخترقين أحياء غاصة في الخضرة حتى دخلنا البيت الذي رحب بنا فيه طلابنا‘الذين سرني أنهم من كل جهات الوطن‘ حيث رحنا في سمر جميل ‘متنقلين من فنن إلى فنن ثم جيء لنا بغداء متنوع يضارع ما تعده ربات البيوت الحاذقات حين يطل ضيوف ذوو مكانة واشتمل على أطباق شهية من "التحلية" أيضا.بُعيد أداء صلاة العصر جماعة ذهبنا في موكب من "المواتر" إلى كلية الصيدلة التي تخرج فيها عدد من طلبتنا ‘وهي تحتل مبنى من عدة طوابق ممتد أفقيا ‘وفي المدخل مكتب العميد‘ وصعدنا إلى عدة أدوار لنتوقف في قاعة دراسية فسيحة قالوا لي إنهم قضوا فيها سنتهم الأولى‘حيث جلسوا مع الجدار وراء بعض ‘يجاورهم طلاب كينيون ‘وقالوا إنهم لم يكونوا يفهمون شيئا مما يقوله الأساتذة بالإنجليزية العصية وأضافوا أن بسام وحده من كان يتابع لمستواه الجيد من السودان فكان الأساتذة يتخذونه مترجما بينه وبينهم‘ وأضاف أحد الظرفاء ضاحكا أنه كان يجلس في الصف الأول وبالتالي تنهال عليه الأسئلة لكن دون جدوى‘ وهكذا مضى وقت طويل قبل التغلب على عقبة اللغة وتفرق بعضهم لمشكلات في التسجيل لكليات أخرى وجمد آخرون العام.من الكلية عرجنا على بيت المحس وهو ما سكنه كل أبناء دلقو الذين تمركزوا هنا على مر السنين والآن تسكنه أسرة‘ ورأيت خلفه بساطا مديدا من الخضرة ورددت مع الجيلي عبد الرحمن: أين نهاية هذي الزروع!؟ وتحركنا من جديد صوب بحيرة ناعسة في مرساها مختلف القوارب للإبحار والتنزه ‘غير أننا اكتفينا ب "شم النسيم" والتعارف بمن انضم إلينا ‘حيث يدرس هنا نحو 80 طالبا والتقطنا معهم الصور التذكارية‘ ثم توجهنا معا نحو مسجد جامع غير بعيد وأدينا صلاة المغرب وعرفوني بالإمام‘الذي جاءوا إليه بفتاة هندوسية لعلاجها بالرقي القرآني. وقد علمت أن بعض الهندوس يلتمسون هذه الطريقة من العلاج ويؤمنون بجدواها رغم اختلاف الدين! امتد برنامجنا إلى حديقة واسعة تركوا عمدا مساحة للمشاة في محيطها فانضممنا لزمرة السائرين رحويا وعكفنا على المشي الذي أحبه نحو 10 كلم نتفرج على المشاة من الجنسين ومعالم الدنيا الشهيرة ‘ التي أقاموا ما يماثلها هنا فأمامنا برج بيزا الفرنسي وبعد حين برج إيفل الإيطالي وهكذا وكأنهم يقولون :ولماذا تفكر في زيارة الدول الأخرى فالهند أتاحت لك بجانب أعاجيبها كل مزارات الدنيا الرائعة!؟ بعد الطواف جلسنا نرتاح على أكواب العصير في كافتيريا أنيقة ومررنا بطلمبة نفط لفتوا نظري فيها إلى منفذ يباع فيه النفط السوداني وما شاكله في النوع من نفوط‘ أو ليست الشركات الهندية مستثمرة لدينا ولها حصتها؟ علما أن الهند تستورد من السعودية وحدها قرابة مليوني برميل يوميا ‘ فضلا عن قدراتها النووية ومصادر الطاقة المتجددة كالشمس والرياح والمساقط المائية وحتى حطب الحريق وروث البهائم "بيو غاز"‘ غير أن أمريكا في طليعة القائمة باستهلاك 20 مليون برميل يوميا! لكن الصين ستتجاوزها خلال عامين ‘علما أن أمريكا تحتفظ بجل نفطها في باطن الأرض وتستورد كميات ضخمة من الدول المنتجة بعقود طويلة وأسعار تفضيلية وتودعها في آبارها الناضبة لتكون المتحكم الأول في الطاقة بمرور الوقت‘ ويمكننا في ضوء سياستها الماكرة فهم "الفوضى المنظمة" التي تعتور السودان توطئة لإدخاله بيت الطاعة تائبا‘ مستسلما ثم استنزاف مكنوناته. أما سوداننا الحبيب فينحصر استهلاكه اليومي حول80 ألفا ما يترجم هشاشة البنية التحتية وعلل الاقتصاد ومحدودية دخول الناس ومحدودية التصنيع والتعدين والوسائط اللوجستية‘ رغم موارده الهائلة ما يحتم علينا جهدا أكبر وحبا أعمق للوطن ليضارع الدول العظمى. وعبرنا في الطريق ببعض المصانع‘ التي يرتفع عددها هنا إلى نحو 2000 مصنع‘ فاستحقت تشبيهها بمانشستر قلعة الصناعة البريطانية العريقة‘أهمها صناعات الحديد والصلب والغزل والنسيج ‘ التي تصدر لكل الدنيا وتنافس بجودتها العالية ورخص أثمانها نسبيا. ومن هنا يقتني رجال الأعمال السودانيون معامل الطوب الطفيلي وقوالب الأسمنت والخرسانة لبيعها في الخرطوم حيث تنشط حركة الإعمار والبناء‘ وفي كل زياراتي أسأل" بس الناس بتجيب الفلوس من فين؟!".
عدنا إلى البيت واستمر توافد طلابنا للترحيب بنا ‘وذات مرة دخل طالبان‘ معهما شابة ترتدي زيا أنيقا يساير أحدث خطوط الموضة ‘كاكاوية اللون ‘خفيفة الظل‘واتضح أنهم طلاب من زنزبار‘أصدقاء بسام الذي كان غائبا وقته وجيرانه في الشارع الخلفي‘ وقادنا الحديث إلى أحوالهم وشؤون بلادهم ثم استأذن أحدهم متذرعا بأن أخته المرافقة لديها بعض الأشغال‘وفوجئت به يبرك أمامي واضعا إحدى ركبتيه على الأرض‘ رافعا الأخرى ملتمسا مني السماح لهم بالانصراف ففعلت ‘وعلمت أن هذا نوع من الاحترام متبع في بلادهم لمن يكبرهم سنا أو مقاما! كما علمت أن الفتاة التي رافقتهم زميلته وحبيبته وليست أخته كما قال‘ ربما تحرجا مني! "وأحنا مالنا؟! وزنزبار هو إقليم المسلمين والعرب الهجين في تنزانيا‘الذين ذاقوا الاضطهاد من الغالبية المسيحية‘الزنجية الحاكمة.وللعرب هناك تاريخهم وتأثيرهم يكفي أن عاصمتها سموها دار السلام‘ وهي تذكرني بنكتة الفنان أبو داود الذي قابل 3 أخوات وسأل عن أسمائهن ‘فقالت الأولى إنها دار السلام والثانية دار النعيم وحين جاء دور الثالثة وكانت سمينة تمتلئ لحما وشحما بادر أبو داود بلطفه يقول: دي طبعا دار الرياضة! وتنزانيا من أولى الدول التي اهتمت بإزالة الأمية وتفعيل الثقافة الجماهيرية ولاسيما في عهد الزعيم نايريري‘ومن أهم منتجاتها وصادراتها نبات السيسل الذي تصنع من سيقانه الحبال والألياف.تلقيت ليلا اتصالا من الصديق الباشمهندس مصطفى عمر أحد قياداتنا المهمومة من الخرطوم‘ ومعي ابنه عمر المتخرج حديثا ويوالي إجراءات شهاداته ‘وقد أحاط بي ككل أبناء دلقو طوال إقامتي في وفاء‘وكذا رسالة شكر من الفرنسيتين تتطلعان فيها إلى لقاء جديد‘ و"تصبحون على خير". في الحلقة التالية..هذا فرح استثنائي!

[/size]
</B></I>
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.agrteg.8m.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر الدولة : السعودية
الجنسية : سوداني
عدد المساهمات : 272
نقاط : 397

من روائع الاستاذ أنور محمدين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع الاستاذ أنور محمدين    من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 29, 2010 4:00 pm



بهجة التخريج ومسرة التكريم ..(26)
مخترقين شوارع وافرة الظلال وصلنا متأخرين قليلا‘ الثامنة صباحا موقع الاحتفال بتخريج الابن بسام والابن جمال وهو إريتري عاش ودرس بعض مراحله في السودان .وكانت اللجنة على اتصال بالمتخرجين دائم.ولمحنا أثناء النزول من السيارة طابور الخريجين يدخل قاعة الاحتفال ما جعلهما يسرعان إلى ارتداء الروب والانضمام إلى الصفوف الأولى ‘أما الابن أحمد الذي يساكن بسام وشخصي فقد جلسنا في آخر الصفوف نرقب ونتابع.القاعة فسيحة أشبه بقاعة الامتحانات في جامعة الخرطوم ‘في نهايتها مسرح جلس عليه 3 أساتذة وجوارهم السكرتاريا .بدأ البرنامج خطابيا بتناوب ثلاثتهم في إلقاء خطب مطولة وهم العميد وممثل الجامعة وكبير الأساتذة‘وكانوا يتحدثون بإنجليزية بطعم "ستايل"هندي ‘ما جعلني ألم بالعموميات وتفوتني التفاصيل .وكان وضعي شأن صديقي وزميلي العمدة أحمد طه (حلفا الجديدة)‘وهو معلم لغة إنجليزية في الثانويات أصلا‘الذي قص لي أثناء تزاملنا في مركز تنمية المجتمع في شندي كيف أنه لم يتمكن من متابعة تفاصيل محاضرة للأستاذ محمد حسنين هيكل في بيروت بالإنجليزية لعلو لغة المحاضر .وبعدئذ نودي على المتفوقين من الجنسين أكاديميا ونشاطيا لتكريمهم مصحوبا بتصفيقنا المتتابع ‘وأعلم أن الابن بسام متميز في رياضة الشطرنج الذهنية وألعاب أخرى ونال بعض الجوائز قبلا ولكن لم يشمله التكريم لأنه بالقطع هناك من هو أفضل منه في تلك المجالات.أما الطالب المثالي فكان من نصيب فتاة هندية رقيقة نالت جائزتها وشهادتها من المنصة وجاءت تخترق الصفوف وسط عاصفة من التصفيق‘ثم تتابع نيل الشهادات وانضم إلينا عدد من طلابنا للمشاركة وكنا أكثر الحضور تصفيقا وبهجة حين نودي على بسام وهو الخريج السوداني الوحيد وجمال‘ أعقب ذلك أداء القسم وتضمن الالتزام بشرف المهنة والإخلاص لها والتفاني في خدمة الهند! ثم خرج الجميع لالتقاط الصور التذكارية جماعة وفرادى واصطادت كاميرتنا عدة لقطات للسودانيين في حديقة الكلية.وعند ما علم الأساتذة بأنني قدمت خصيصا لهذه المناسبة من السعودية أكبروا ذلك وأشادوا باعتبارها بادرة نادرة.
عدنا للقاعة وبدأت الفقرات الترفيهية برقصات أكروباتية أداها الطلاب من الجنسين معا في إبداع من الجمال لا يوصف‘وكان ضمن المؤدين طالب سوداني‘ولا أعرف كيف ومتى استطاعوا إتقان الفقرات المذهلة بهذه البراعة مع كثافة المحاضرات المعهودة في الهند من الصباح حتى العصر دون إجازات تذكر.وامتد الفرح بتقديم وصلات غنائية مصحوبة بشلالات موسيقى شجية تزرع النشوة في القلوب مع بهاء المكان وجلال المناسبة وجمال الخريجات اللائي أظهرن زينتهن في تنافس لنجمات السينما.الشيء الوحيد الذي استغربت له أن الحفل لم يحضره سوى عدد قليل جدا من ولاة الأمر عكس ما هو متعارف في السودان‘الذي تتحول فيه حفلات التخرج إلى عائلية ذات طابع شعبي.وهمس لي أحمد وهو في سنته الأخيرة: حليلنا اللي ما حيغني لينا وردي ولا ود اللمين! كان الحفل ممتدا تعقبه مائدة غداء‘ ولكنا آثرنا الانسحاب متوجهين إلى القاعات والمعامل في مبنى شاهق يضم 6 طوابق ‘حتى وقفنا عند الجهاز الذي أصيب عنده بسام العام الماضي نتيجة تفاعل مكون كيمائي ما استدعى نقله إلى المستشفى فورا وعلاجه على مدى 3 أيام كابدت أثناءها الألم والسهر والحزن ‘حتى خرج معافى ‘دون أن نخبر والدته بما جرى حتى اليوم. وحينما خرجنا من مباني الكلية صادفنا أستاذتين هنديتين لطيفتين باركتا لي ولبسام التخرج وثمنتا قدومي كثيرا‘وأهدى لهما بسام علبة الحلاوة الأنيقة الملفوفة بشريط مخملي التي قدمت له في المنصة .وانطلقنا إلى صلاة الجمعة في مسجد جديد‘حيث حضرها لفيف من طلابنا بزي الدراسة‘وإثر الصلاة مر إناء تبرع وضع فيه كل منا ما يجود به دعما لإكمال المسجد‘وفي الخارج كانت تصطف أكواخ فقراء باد عليهم البؤس‘ وامتطينا المواتر إلى حيث أقامت لي الرابطة النوبية حفل غداء مترفا حوى ما لذ وطاب مع أنس جميل امتد حتى المساء.ومن وفاء طلابنا أن بعضهم أشاد بإمدادي إياهم بأدبيات نوبية تتركز على التراث والتاريخ قبل فترة ‘التي نشرت في مجلتهم الدورية الملونة التي تضم جهدهم وتلم شملهم.وتضم الرابطة نحو 100 طالب ‘منهم 28 يدرسون هنا‘وهم متكاتفون‘ ومنفتحون على الآخرين.بالمناسبة توجد هنا كلية للعلاج الطبيعي الذي كنت أعتقد أنه تخصص سهل ولكن تبين كم هو صعب ‘فقلما يتخرج طلابه في موعدهم‘ وتوجد أيضا كلية لطب الأعشاب‘تصوروا!
التأم جمع الطلبة النوبيين مساء على شرف إكرامي بتناول العشاء في مطعم فاخر ولكن الغداء المتأخر لم يدع مجالا لمزيد فاتجهنا إلى كافتيريا راقية تناولنا فيها الآيسكريم مع بعض الفواكه والحلويات .وكنت أحس وسطهم بأنني أب الجميع بل أمهم أيضا الأمر الذي دعاني لمخاطبتهم ناصحا بالآتي:
·الدأب على التحصيل الأكاديمي الذي يمثل هدفهم الأول وأمل أسرهم.
·تجنب الانغماس في دروب السياسة وإرجاء ذلك لما بعد التخرج.
·متابعة الدراسة بعد التخرج ونيل الماجستير ثم الدكتوراه للمنافسة في عصر العلم والتكنولوجيا.
·الوضوح والصراحة مع الأسر في حالات الرسوب والإخفاق وهما أرحم من اكتشاف الكذب لاحقا.
·عدم التفكير في زواج الأجنبيات فعندنا كل المواصفات ‘وحتى سليلات الأتراك والمصريين والخواجات فليس هناك ما يدعو لإحضار بضاعة متوافرة محليا‘مع استشهادي بفشل معظم مشاريع الارتباط بأجنبيات‘ بعد التورط بأطفال ضحايا.
·عدم نسيان أهلهم بعد التخرج‘ خاصة الفقراء منهم.
·حب الوطن أكثر والتفاعل مع قضاياه‘لأن الشباب عتاده وذخيرته.
·الاستقامة في عصر يعصف فيه الإيدز الأرواح‘واحترام معتقدات وتقاليد البلد المضيف.
عدنا إلى البيت للنوم استعدادا للسفر صباحا للمحطة قبل الأخيرة في الرحلة.في المشهد القادم: إنه ناد للعراة!

</B></I>
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.agrteg.8m.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر الدولة : السعودية
الجنسية : سوداني
عدد المساهمات : 272
نقاط : 397

من روائع الاستاذ أنور محمدين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع الاستاذ أنور محمدين    من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 29, 2010 4:01 pm



[size=25]بونا ..السودان هنا والفرس (27)
حينما صحوت من النوم وجدت أمامي عددا من الطلاب ينامون في البيت كيفما اتفق وكأنهم شباب سهروا في ليلة حنة وباتوا عند السحر في "بيت عرس" ‘ وذلك خصيصا وحرصا على وداعنا‘ما أروعهم! فاستيقظ بعضهم بحركتي ودب الاستعداد .وسرعان ما أخذنا طريقنا إلى محطة السكة حديد في كمبتور‘وفي كافتيريا مطلة عليها تناولنا شاي الصباح بالبسكويت جماعة واتجهنا إلى القطار الذي كان يتأهب للانطلاق‘حيث أودعنا أمتعتنا فيه وعدنا لنلتقط الصور التذكارية مع الشباب‘وسط ضجيجهم ونكاتهم اللماحة وصخبهم المحبب وتعليقاتهم الذكية ‘التي حسمتها صافرة التحرك.بعد تلاشي معالم المدينة الزاهرة بتنا نشاهد الطبيعة ومناظر الريف الخلابة والغدران المترعة بالماء والبنات اللائي يقمن بغسل الملابس على ضفاف الأنهر الجارية والفلاحين المجدين على الروابي الخضراء على مد الأفق.سنقطع في رحلتنا الأخيرة هذه بالقطار نحو 1400 كلم في يوم كامل ‘وهي تعادل المسافة من وادي حلفا إلى الخرطوم مرتين تقريبا‘ما أسرع قطاراتهم! وقد سرني التعاقد مع الشركات الهندية لدراسة مد الخط الحديدي بين وادي حلفا والشلال المصرية ‘ويا ليتها تقوم بتحديث خطوطنا التي تعد الأطول في إفريقيا بامتداد 4727 كلم.
صعدت أرتاح على سريري الأعلى وبقي بسام أسفلي ‘وجواره سيدة في وسط العمر‘عالية الحيوية وابنها الشاب وهما عائدان إلى مدينتهما بعد شد الرحال إلى معبد هندوسي مقدس‘وبتنا نتبادل الهدايا والطعام‘الذي أرى جمعا في" القمرة" المجاورة يلتهمون بشهية أدهش لها شيئا شبيها بالزلابية ولكن أنى لي نفس تقبل على ما يأكلون؟ إنني أكتفي بالفواكه والزبادي تحاشيا لما يعرضه الباعة من أطعمتهم المتخمة بالألوان والتوابل! في السرير المقابل لي جاءت ترقد شابة حسناء أسرتها جيراننا في "القمرة"..إنها تضج أنوثة ولا تتدثر بأي خمار وتتقلب في مرقدها منشغلة بجريدة ترميها بعد قليل تجاه أهلها.لا ألحظ عليها أي تحفظ ولا حتى أي إحساس بأن رجلا بجوارها ! فهي كعِجلة مفرهدة بلا حبل الترويض‘كما يعبر المبدع وردي. ويبدو أنها لم تذق "قرصات "أمها في فخذها ولا زجرات "حبوبتها" ولسعات حبل محفظة رقبتها "الشونوق"‘فباتت أقرب إلى نبات بري معشوشب‘ ناضج الثمرات!
القطار يتوقف في قلعة الكمبيوتر بانقلور‘التي زرناها قبلا فننزل نتمشى في المحطة متعهدين حراسة عفشنا للهندية‘ التي تتحدث الإنجليزية بطلاقة تحسد عليها.تنشر شمس اليوم الجديد ضياءها على الآفاق فنتهيأ مودعين رفاقنا ‘ملتقطين صورا تذكارية معهم بعد أن تبادلنا العناوين الإلكترونية‘فيعاونوننا على حمل أمتعتنا إلى الخارج وألمح على الرصيف لافتة تمنع البصق على الرصيف.وفي أول الشارع العام نأخذ تاكسيا يسرع بنا إلى بيت مضيفنا‘الذي ينتظرنا على ناصية شارعهم‘الذي يعرفه بسام جيدا فهما صديقان يتزاوران‘إنه شاذلي من أبناء القولد ‘طالب الماجستير الذي يتخصص في الأحياء الدقيقة ‘وهو مألوف لديّ فقد استقبلني وأسرتي عند عائلته الكريمة في جدة قبل عامين على غداء مترف. الآن نلتقيه بالأحضان وتنعطف السيارة إلى داخل الشارع ونهبط.عند مدخل عمارتهم شابة باسمة ترحب بنا بالهندية أحسبها قالت "هل هما من أهلك؟ ولكنه مضى معنا دون اكتراث بها ,ودخلنا شقته التي ارتحنا فيها قليلا‘التي تتصدر أركانها شعارات حزب الأمة ورموزها فهو "أنصاري" على السكين .وحكيت له قصة السوداني الذي قابل في لندن مع صديقه عروس الثاني في المطار ‘القادمة من الخرطوم وحين وصل ثلاثتهم الشقة و"تونسوا " طلبت العروس إدخال شنطتها إلى الغرف الداخلية فما كان من الصديق إلا الخروج بسرعة منفجرا بالضحك في الشارع لأن شقة شهر العسل لم تكن سوى تلك الغرفة اليتيمة! فضحك وبسام للنكتة وخرجنا لقلب المدينة الشهيرة بمباهجها وانطلاقاتها‘وفي شارع ظليل يكثر فيه الخواجات - بينهم عدد مقدر من اليهود - رأيت دارا مميزة قيل لي إنها ناد يشبه أندية العراة ‘لا يدخله إلا من يكتسب عضويته ويرتضي شروطه وأولها التحرر من الملابس ‘الخارجية منها والداخلية والتمدد على حافة المسبح بعد العوم فيها عراة رجالا ونساء للتمعن في بديع صنع الله وعظيم ملكوته من خلال مشاهدة أعضاء أجسادهم ودقة صنعها‘علما أن بعضهم لا يؤمن بوجود الله سبحانه ! أما ماذا يحدث من طقوس وممارسات بعد التأمل فأطلقوا عنان الخيال ! ومن أجل الانتساب لهذه الفرقة الفلسفية التي ترتكز على إشباع الشهوات والحاجات الحسية للتفرغ للإنتاج والإبداع يفد الأوربيون إلى هنا من كل فج عميق حتى بعد وفاة مؤسسها الهندي‘إنهم يذرعون الشارع المحيط به بزيهم الكبدي‘ ويتسلل إليه بعض العرب.بعده ذهبنا إلى مقهى قريب علمت أنه ملاذ السودانيين هناك ‘خاصة من هم بلا عمل أو أمل مثل الطلاب الذين تعثروا في دراستهم.المهم دخلنا ووجدنا زبائن من عدة جنسيات وراعني منظر خواجية جاءت ببنطلون محزق وفنيلة داخلية كتلك التي يلبسها الرجال تحت قميص البنطلون لا غير‘ وربما تجري بهذا الوضع "تمرينا" قبل الذهاب لنادي الفلاسفة الماجن! وتناولنا فيه عصيرا وكان بطني يصيح بالجوع فتوجهنا إلى مطعم عربي فاخر حيث جاءوا لنا بما لذ وطاب فنلت منه ما غطى حرمان اليوم السابق ثم دخلنا مقهى إيرانيا يغص بالفرس‘وتعج جدرانه بصور الخميني وأحمدي نجاد وتصدح موسيقاهم من زاوية وشربنا شايا منعنعا وفي خدمتنا شباب إيراني بلونهم النحاسي‘إن عددهم يقدر بنحو 30 ألفا منهم 10 آلاف طالب للقرب الجغرافي وقد استوطنوا بأسرهم ويشكلون معظم سكان الأحياء المجاورة! وهم متكاتفون وبينهم أثرياء‘ في مدينة ضخمة تمور بكل شيء‘وتضم حيا كاملا للدعارة وبيوتا لممارسة القمار ‘فضلا عن المراقص والكازينوهات.
وتعد المدينة مركزا عسكريا مهما لقوة الهند الإقليمية الرادعة وفي القاعدة العسكرية قاعة تحمل اسم السودان شيدها النميري رمزا للتعاون الحربي بين البلدين.وقد زارها بعض طلابنا‘الذين قابلهم المسؤولون بحفاوة‘مقدرين دعم السودان.عدنا إلى البيت حيث قدم لنا الشاذلي تمرا وهو يقول ضاحكا إنه من دلقو! وحين تعجبنا شرح بأنه هدية طارق الغول‘رئيس الرابطة النوبية في عموم الهند ‘الذي جاءنا زائرا مساء وتنقل بنا الحديث بين رحيلهم من دلقو إلى بيت المال في أمدرمان قبل عهود وخطاب جدهم لعمدة دلقو قبل أكثر من 100 عام ‘الذي يحتفظون به وثيقة انتماء يعتزون بها‘ وكذا أرحامهم في البلد والعلائق الممتدة مع متولي أرو والأهل‘ ووجدته شابا يتوثب حبا للمنطقة وأهلها وكأنه لم يغادر الديار قط! كما سعدت بلقاء الشاب معاوية (شندي) ابن زميلي وصديقي‘الذي يدرس الكمبيوتر هنا ‘حيث امتد الأنس الجميل بجمعنا حتى منتصف الليل.في الحلقة التالية: لماذا بكي ولدي وأبكاني؟!

[/size]
</B></I>
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.agrteg.8m.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر الدولة : السعودية
الجنسية : سوداني
عدد المساهمات : 272
نقاط : 397

من روائع الاستاذ أنور محمدين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع الاستاذ أنور محمدين    من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 29, 2010 4:02 pm



[size=25]عرس في حارة شعبية ..(28)
تطل غرفة العزيز شاذلي على شارع تتصل على ضفتيه المساكن غير أني أرى ثغرة تفضي إلى ساحة داخلية قبالتي‘فوضع لي كرسيا على النافذة أطل منها على الشارع الفوار بالحركة.وهو شاب حسن العشرة بات علما في الحارة..الكل يعرفه ‘بل يحبه فقد تداخل معهم وصار واحدا منهم..يداعبهم بلغتهم ويدعونه إلى مناسباتهم ولا ضير أن يتحادث مع النساء دون حرج أو تحفظ مثل غيره من شباب الحي‘الذين يأتون لزيارته من وقت لآخر‘ومما عزز الثقة به استقبال أهله في جدة ومكة رموزا بارزين من الحي أدوا شعيرة الحج وإكرامهم.يقول لي عن حياة جيرانه إن كل أسرة تسكن في غرفة واحدة ببزورهم ولا أعرف كيف يسير دولاب الحياة بهذا التخندق! وهم مسلمون ولكن دون معرفة وثيقة بمبادئه وأحكامه فبعضهم يكتفي من رمضان بصوم أوله وأوسطه وآخره واليوم السابع والعشرين منه لا غير! ومن عمله شاق يفطر ومن فاته السحور كذلك ‘ ولا تلزم الأسرة أفرادها به فالحرية على أوسع مدى‘غير أن اجتماعيات الشهر الفضيل تدركهم فهم يفطرون في بيت ويتعشون في ثان ويتسحرون في ثالث في جماعية محببة طوال الشهر‘لكن دون أن يشتركوا في صحن واحد مثلنا ‘بل كل شخص ينفرد بحصته كالخواجات‘ ورغم هشاشة فهم الإسلام يخشى الغرب ملايين المسلمين في الهند وبزوغ حركات راديكالية وسطها ‘ولاسيما في إقليم كشمير ذي الغالبية المسلمة‘ المتنازع عليه بين الهند وباكستان وطرف ثالث ينادي بالاستقلال‘وهو إقليم شهير بسحر طبيعته وجمال نسائه. وعن تقبلهم التزوج بسوداني حكى تأثرهم بحادثة إحدى بنات الحارة‘التي تزوجها سوداني رغما عن أهلها وسافرت معه إلى السودان غير أنها ماتت أثناء التوليد فاكتفى بإشعارهم بالوفاة دون عناء الحضور إليهم ومواساتهم ما أحدث شرخا في وجدان الناس المترابطين هنا. ويضيف أنهم يتناقلون الأخبار بسرعة البرق فقد جاءت زميلة إيرانية معه ذات مرة لاستعارة دفتر محاضرات فتركها لدى الأسرة الملاصقة له ريثما أحضر لها طلبها فانصرفت وبعد دقائق سأله كل الشارع عن علاقته بالشابة الفارسية ما جعله يشرح الملابسات ويوضحها لهم ..إنه بعض إفرازات الفراغ.
خرج بسام وشاذلي لبعض الأغراض فبقيت وحدي أتسلى بالإطلالة على الشارع والسابلة فيه..هذا طفل يلهث للحاق بأمه وذاك يسرع بدراجته يحمل عليها طنا من الأشياء ما يثير دهشة حتى عطبراوي مثلي يجيد التنقل بها والتفنن عليها ‘كما ألاحظ تدلي عقدين من الثريات الكهربية النضيدة إيذانا بالاحتفال بزواج وهو سانحة طيبة للوقوف على طقوسهم من كثب.مع حلول المساء تجمعت النساء بأزيائهن الأنيقة اللائي جلسن يتسامرن ‘حولهن أطفالهن والصبايا اللائي تسابقن في إبداء زينتهن‘ وعلى الهامش لقاءات مع الشباب عابرة‘وهكذا حتى جاءت الوجبة الشعبية ‘التي تتكون في أساسها من عدس ورز مطبوخين بلحم‘فضلا عن بعض الأصناف مع أغان عذبة تشدو بها عذارى الحي.وحين انقضى عشاؤهن المبكر انصرفن متيحات المكان للرجال ليتم استضافتهم على النحو نفسه‘وأخيرا ينفض السامر ويقود العريس حبيبة عمره إلى بيت الأسرة ‘أعني الغرفة المشتركة فليس للفقراء شهر عسل معتبر ومنفرد.أما الأثرياء فشأنهم آخر ‘إذ يحتفلون بمناسباتهم في فنادق فاخرة ونحوها .
في المساء انصرف شاذلي لبعض واجباته وبقيت مع بسام نتآنس‘ الذي كان حزينا لقرب موعد فراقنا وكان قبلا يتحسر على ذلك بين الفينة والأخرى فإذا به الآن ينهار باكيا وهو يقول: كيف أفارقك وأنت لست أبي فحسب ‘بل صديقي بعد أن سعدت بك أياما؟ ماذا لو ألم بي مكروه أو بك قبل أن يكتب الله لنا لقاء جديدا؟ وقد انقبضت نفسي وتألمت كثيرا ولكني رغم دمعاتي تحاملت على نفسي وبت أبعث فيه الثقة قائلا : ألم تصبر على فراقنا 5 سنوات ؟! تذكر وجود بنات في الغربة من أجل العلم‘ ثم ما الذي تبقى لك غير أسابيع تنجز خلالها استخراج الشهادة ومتابعة توثيقها وإجراءات السفر النهائي؟ وأخيرا اتجه إلى الحمام يغسل فيه الدمع الفياض‘ وشيئا فشيئا تغلبنا على لحظات الضعف الطارئة ‘الممضة ‘الموجعة قبل انضمام شاذلي إلينا على العشاء‘الذي أعداه محليا بمهارة عالية اكتسباها من حياتهما الطالبية ثم تسامرنا بشؤون السودان وشجونه وأوصيت شاذلي - وهو الأنصاري الملتزم - بقراءة كتاب"السودان بين يدي كتشنر وغردون" في أجزائه الثلاثة حتى يقف على جذور المهدية وما اكتنف حكم المهدي والخليفة من سلبيات وإيجابيات لا تخطئها العين الفاحصة رغم تحامل كاتبه إبراهيم فوزي عليهما وانحيازه للمستعمرين . وكما كان الحال عند الظهيرة تمددت على السرير بينما نام الابنان شاذلي وبسام على مرتبتين فرشاهما جواري .وحينما كان النعاس يداعب أجفاننا كانت حركة الشارع تخفت بعض الشيء لتوغل الليل ‘الذي أزاحت ظلمته أنوار زينة حفل الزواج‘ التي واصلت تألقها وتراقصها مع نسمات السحر الرخية.الحلقة التالية: هذا السوداني يتزوج هندوسيا!

[/size]
</B></I>
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.agrteg.8m.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر الدولة : السعودية
الجنسية : سوداني
عدد المساهمات : 272
نقاط : 397

من روائع الاستاذ أنور محمدين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع الاستاذ أنور محمدين    من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 29, 2010 4:02 pm



[size=25]طلابنا تحت الأضواء ..(29)
نحن في جنوب غرب الهند ‘في مدينة بونا الصاخبة حيث يعيش قرابة ألف من طلابنا وهو ثاني أكبر تجمع بعد حيدر آباد وغالبيتهم في مستوى البكالوريوس والقلة تدرس الماجستير والدكتوراة ‘ منهم مبعوثو الدولة المحظوظون ‘وهؤلاء يتركزون في دلهي غالبا. ومعظم طلابنا بحق ممتازون في سلوكهم ومشرفون في تحصيلهم الأكاديمي‘إلا أن العقبة الكؤود أمام كثيرين ‘خصوصا المبتدئين ‘ اللغة الإنجليزية لغة التدريس لذا أنصح طلابنا الذين ينوون الدراسة في الهند وأهليهم بالانتساب في دورات" إنجليزية" مكثفة قبل القدوم إلى هنا.والمشكلة الثانية عدم انتظام مصاريف بعضهم ما يسبب لهم حرجا وصعوبة بالغة في الغربة‘خاصة المتأخرين في الدراسة الذين يستاء من بطئهم أهلهم أو يفاجأون بتأخرهم الدراسي بعد مدة قيقطعون إمدادهم بالمال في بلد التعليم فيه جاد ومواكب وصعب فالدراسة هنا ليست نزهة ‘إنها معاناة حقيقية‘ولست أدري كيف يطيقون ضياع فلذات أكبادهم. وقد يكون السبب خارج إرادة الأهل كأن يموت ولي الأمر أو يفقد عمله وفي كل الأحوال "يتشايل" شبابنا في رجولة وليت الحكومة رعت مثل هذه الحالات الاستثنائية‘ليت! خاصة وقد زارهم في مواقعهم الملحق الثقافي أخيرا متفقدا وملتمسا مشكلاتهم وكم يكون جميلا لو تم تعيين مرشد طلابي ذي كفاءة وخبرة لإعانتهم على ظروفهم. والأفضل انسياب المصاريف دون إبطاء أو إفراط أو تفريط في الوقت والكم فالمال الكثير في يد الطالب مضر كالقليل غير الوافي. وسرني أن قابلت طلابا تقوم بتمويلهم أمهاتهم العاملات‘ المطلقات أو أخواتهم الموظفات‘أليس التعليم استثمارا للأسرة عظيما؟ والمشكلة الثالثة أن تيار اللهو جارف هنا فكل شيء متاح فينحدر قليلون إلى المهاوي. وقد تسألوني : كيف يتصرف من يخفق في الدراسة؟ فأقول بعضهم يصدم من الأوضاع وقسوة الغربة فيعود للسودان في الحال باحثا عن مقعد في جامعات الداخل‘وبعضهم بعد فترة من المحاولات غير المثمرة يسافر لدول أخرى عل الحظ العابس يبتسم له هناك‘بينما يتسرب آخرون في دروب بعيدة عن التعليم.. لنأخذ مجرد نماذج..أحد من سدت أمامهم سبل النجاح اقترن بإسرائيلية وغادر معها إلى أمريكا‘آخر تعرض لليأس ووقع في فخ هندية هام بها فحاول زواجها فاشترطت عليه عقد النكاح في المعبد وفق طقوسهم ولم يجد بدا غير الرضوخ فتزوجها كهندوسي‘ والآن حينما تصادف طفلا سودانيا في الشارع تقول لك أمه وأهلها :هذا ولدكم‘ لقد فر والده للسودان دون أن يترك عنوانا أو أثرا..إنه ثمرته ‘بل ضحيته‘ثالث جاء للهند لابسا البنطال الماكسي المرقع ‘وسلاسل تتدلى من رقبته ‘وأقراط على أذنيه وشعر رأسه على هيئة ريش الهدهد‘ الغريب أن يأتي من أسرته طالب بهذه الصورة‘فماذا تنتظر من هذا الصنف في بلاد تعج بكل شيء؟.والقصص لا تحصى.وقد تسألني: وماذا عن الطالبات؟ قطعا ملتزمات خلقا ‘مجتهدات تحصيلا‘فلم أسمع عنهن وهن قليلات غير كل خير‘ ولكن لكل قاعدة شواذ‘ ولكن كيف لفتاة في غربة أن تتصرف إن هدها مرض أو لازمها عابث أو قاست الإفلاس؟ إنني بصراحة لا أرى إرسال طالبة ما لم يكن معها أخوها أو أحد محارمها.
الأمر الذي يشغلني هو: مادام التعليم في الهند راقيا ومطلوبا ويجد إقبالا عظيما في أوساطنا لماذا لا يتبنى مستثمرون ورجال أعمال سودانيون إنشاء جامعة هندية في السودان بأساتذة هنود وبمناهجهم ذاتها ‘وتقاليدهم الأكاديمية النابعة من الرحم البريطاني‘ما كان وفر كثيرا من العناء والغربة والمال والوقت لفلذات أكبادنا وآبائهم‘خاصة والالتحاق بالدراسة في الهند يحتاج إلى من يتولى إرسال قبول مبدئي للطالب الراغب وهو في السودان‘ الذي يسافر متحمسا ليواجه بجملة من التعقيدات والبيروقراطية‘ ويمكن البدء بكليتي صيدلة وكمبيوتر تابعتين لجامعة عريقة هناك فمن يسوّق هذه الفكرة الاستثمارية لدى أسامة عبد اللطيف أو غيره من الأثرياء القادرين‘ الذين نعشم في وطنيتهم وروحهم الريادية؟ وبارك الله فيمن نفع واستنفع.
طلابنا هنا متكاتفون‘ من عنده فضل مال يصرفه مع "المفلس" ريثما تصل مصاريف زميله ‘ والمريض يعوده الكل ومن دخل مستشفى يلازمه زميل أو أكثر حتى يخرج معافى‘هذا فضلا عن الزيارات المستمرة.وفي الإجازات يسافرون إلى بعضهم بعضا في المواقع المختلفة والمدن البعيدة تبعا للعلائق‘ فتتكاثف خيوط التعارف ويتضافر النسيج الاجتماعي ما يقوي الأواصر ويجعلهم يتزاورون حتى بعد التخرج بأسرهم أينما جمعتهم ظروف العمل وأحيانا يؤلفون روابط لمزيد من التآزر والتآلف.وحينما تجمعهم العطلات وساعات الفراغ يستثمرونها في نقاش شؤون الوطن ومناطقهم ومستقبلهم . في الأصايل تحضنهم ميادين الرياضة ‘وفي المناسبات السعيدة مثل حفلات التخرج حين يجن الليل ينطلق اللحن العذب من العود الرنان ويسجع الكمان ويناغي الشيلو "الكمان الكبير" ويضبط الطبل الإيقاع فيرسل الفنان شدوه الآسر ويردد الحضور وراءه "الكوبليه" في طرب مع الصفقة المنتظمة ‘ بينما يروح بعضهم في تمايل عند ما يستبد بهم الطرب .ويمتد السهر حتى ساعات السحر فيستسلمون لسلطان النوم كيفما اتفق حتى ينبلج فجر يوم جديد بأمل متجدد.
أنفقنا وقتا طيبا في حديثنا هذا تحت دوحة طلابنا المشاعل ‘فمنهم من يأتون في أوائل الدفعات على الهنود والأجانب أجمعين‘ وهم سفراؤنا الشعبيون‘الذين يرسمون للسودان أجمل الانطباعات وسط الشعوب الأخرى ويكتسبون بجانب العلم الاعتماد على النفس والتعارف و الخبرات الثرة مع الاحتفاظ بالقيم السودانية الجليلة ‘منها أنني لاحظت أن الطالب الجديد (برليم) يحترم الأقدم (السينير) ويرعاه الأخير بالنصح والعون .وقد أكرمني جميعهم وأغدقوا عليّ من لطفهم وكرمهم ما يفوق وصفي أينما حللت ف"شكرا "غدقا لهم فردا‘ فردا‘جمعنا الله في أرض الوطن الغالي قريبا. والآن جاء موعد السفر لمحطتنا الأخيرة. في الحلقة الجديدة: تزوج قضية وولد دولة!

[/size]
</B></I>
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.agrteg.8m.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر الدولة : السعودية
الجنسية : سوداني
عدد المساهمات : 272
نقاط : 397

من روائع الاستاذ أنور محمدين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع الاستاذ أنور محمدين    من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 29, 2010 4:03 pm

مومباي..لؤلؤة بحر العرب (30)
كانت الساعة تشير إلى الثامنة صباحا حين تحركت حافلتنا الفاخرة من بونا بعد أن ودعنا الحبيب شاذلي‘الذي أبدى استعدادا لمصاحبتنا إلى مومباي لأنه أدرى بشعاب عاصمة الهند الاقتصادية وواحدة من أضخم 10 مدن في العالم ‘ التي يسكنها نحو 18 مليونا أي نحو نصف سكان السودان! بينهم 5 ملايين يزحفون تجاهها كل صباح من الضواحي التي تضم أضخم حي عشوائي في القارة الآسيوية‘ غير أني شكرته على مروءته‘مفضلا اكتشافها بالعون الذاتي‘خاصة وبسام زارها قبلا ويعرف معالمها الأساسية. قدمت لنا محطة الحافلات صحف الصباح مجانا فطفقنا نتصفحها بينما تخترق الحافلة شوارع المدينة المديدة إلى وجهتها التي تبعد 3 ساعات.الروابي مفروشة ببساط يانع أخضر وكذا الأودية النادية.نتوقف في محطة كبيرة لتناول الفطور وألحظ وجود مراجيح للأطفال‘ وهي خدمة متقدمة توفرها سائر المحطات لأطفال المسافرين‘الذين يقبلون عليها بحماس.متى نلتفت لأطفالنا هكذا؟ كانت الحافلة تعلو المرتفع الناتئ وتهبط في السهل الوطيء في طريق حريري بينما يظلل الغمام الراحل في مجموعات الآفاق البعيدة‘ ورحت أفكر في سيرة زعيم نشأ في مومباي وترعرع فيها وعرف بالنجابة والعزيمة والنظام الدقيق فأنشأ ضيعة راقية لسكناه وعائلتهم أبدع فيها بالتنسيق والتشجير في ضواحي المدينة ولكنه وهب عمره لقضية محورية شغلته ‘هي إيجاد وطن قومي خاص بمسلمي الهند‘الذي بشر بفكرته الشاعر المعروف محمد إقبال ولكن محمد علي جناح تبنى تنفيذ الفكرة وانتقل إلى كراتشي تعاضده أخته طبيبة الأسنان فاطمة مساعدته‘ التي حرمت نفسها أيضا من تكوين أسرة خاصة بها فتزوجا القضية‘التي ساعدتهما في تنفيذ حلمها بعض العوامل‘منها دعم الزعيم غاندي والشاعر طاغور بثقله الأدبي العالمي‘ ومونتباتن آخر حكام الهند الإنجليز ‘ابن عم الملكة. وفي 1947 استقلت الهند عن بريطانيا ثم أعلن جناح قيام باكستان رغم عراقيل الهند‘وقد كون حروفها من كلمات: بنجاب‘كشمير‘وأفغانستان وهي الأقاليم ذات الأغلبية المسلمة في المنطقة واتخذ كراتشي عاصمة‘وأصبح أول رئيس لها قبل أن يموت مسلولا بعد عام واحد من تحقيق أمنيته وأمل الملايين ‘لذا تتصدر صورته اليوم العملة الباكستانية ويسمونه "القائد الأعظم" عرفانا ووفاء‘ وأخته فاطمة جناح خلعوا عليها لقب "أم الشعب"‘ وهناك اليوم جامعة نسوية تحمل اسمها في كراتشي كبرى مدن باكستان‘التي انتقلت منها العاصمة إلى إسلام آباد لاحقا لتوسطها البلاد.
الرحلة إلى محطتنا الأخيرة ‘التي عدل اسمها من بومباي إلى مومباي اسمها التاريخي الأساسي‘ماتعة ومثيرة معا.ها هي معالم المدينة الضخمة تبدو من بعيد‘بل تقترب شيئا فشيئا..يا إلهي! لم أكن أتصور عمارات شاهقة كهذه قط .إنني لم أر في حياتي ناطحات سحاب ديلوكس راقية مثل هذه! أليست حاضنة مدينة السينما الزاهرة الشهيرة"بوليوود" ‘التي تنتج أروع الأفلام الهندية التي تحبس الأنفاس وتوزعها عبر العالم؟ اخترقنا الآن الحي الأول ولكن برزت لنا غابة ممتدة على مد الأفق حتى إنني تساءلت :أهي النهاية ؟ لا .. ها تظهر منطقة صناعية هائلة على جانبي الطريق‘لكنها تختفي لتسود غابة أخرى ثم نعبر لسانا من بحر العرب ممتدا إلى داخل اليابسة..أرى على صفحة الماء قوارب الصيد متناثرة وشباك الصيادين مشرعة ونحن نجتاز جسرا طويلا إلى الجهة الأخرى وأمامي على بعد كيلو متر تقريبا جسر آخر يسير عليه قطار محلي إلى الاتجاه المعاكس ينقل ملايين الركاب بين أنحاء المدينة ‘الواسعة الأرجاء.وتذكرت الخرطوم بكباريها المتزايدة‘ التي ينساب تحتها النيل الخالد والنيل لفظ نوبي معناه شراب.
بعد أن سرنا نحو ساعة ونصف داخل المدينة الهائلة ‘ التي تعد قلعة صناعية مهمة ومركزا عالميا لعمليات الشحن الجوي والبحري وتضم قنصليات دول عديدة وممثليات دبلوماسية تعنى بالتجارة والاقتصاد توقفت الحافلة في محطتها النهائية على شارع رئيسي.ها نحن نترجل ونستأجر سيارة يقودها مسلم هندي لينقلنا إلى شارع محمد علي الشهير ذي الأغلبية المسلمة ومقصد التجار العرب والسماسرة والسودانيين الذين يترددون عليه للتزود ب "التياب" النسائية والصندل والعطور وغيرها. الشوارع تظللها الأشجار الوارفة لاهتمامهم بالتشجير بينما علاقتنا بالنبات متردية ‘كما كان يقول أستاذنا الدكتور سيد أحمد نقد الله. يتوقف السائق لتزويد سيارته بالوقود فيطلب منا عمال المحطة النزول منها والابتعاد اتباعا لضوابط السلامة لأنها ستملأ بالغاز ‘السريع الاشتعال فنفعل ثم نتحرك مجددا .وصلنا الحين إلى الشارع الكبير‘ الذي كتبت بعض لافتات محاله التجارية باللغة الأوردية ذات الحروف العربية ما يفضي إلى الترويج واستقطاب الزبائن العرب.إذن نبدأ في شراء الهدايا‘وما أصعب الاختيار وسط هذه التشكيلات المتنوعة ‘ المغرية في مدينة تذخر بمصانع نسيج شهيرة يديرها آلاف الفنيين المهرة! وبعد أن نال منا التعب رأينا الاستراحة على مائدة الغداء‘حيث وجهونا إلى مطعم قريب يديره مسلمون فدخلنا لنجده راقيا‘مكتظا بالزبائن فطلبنا أصنافا خاصة خالية من إضافاتهم فجاءنا مديره شخصيا ونفذ ما طلبنا بتغليظ تعليماته للعاملين إثر موافقتنا على زيادة في الأسعار المعتادة مقابل الخدمة الخاصة‘ وريثما يأتي الطعام رحت أنظر عبر الجدار الزجاجي والنوافذ إلى الشقق السكنية المجاورة ذات الشرفات المفتوحة والمشربيات الخشبية عالية الدقة والصنع.الآن المائدة امتلأت بمختلف أصناف اللحوم والسمك الساخنة التي تعلو منها الأبخرة التي توقظ الشهية‘فضلا عن السلطات المتنوعة ‘هلا شرفتمونا بالمشاركة فخير الطعام ما كثرت فيه الأيادي ؟ في الحلقة الجديدة: ما سر هذه الصومالية؟

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.agrteg.8m.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر الدولة : السعودية
الجنسية : سوداني
عدد المساهمات : 272
نقاط : 397

من روائع الاستاذ أنور محمدين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع الاستاذ أنور محمدين    من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 29, 2010 4:05 pm



[size=25]"زفة" على البحر..(31)
بعد الفراغ من الغداء عبرت وبسام إلى الشارع الآخر نلتمس شراء "تياب" نسوية فدخلنا في أسواق شعبية تعج بالخلق وتغص بالبضائع‘وكان مشهدا أقرب إلى أسواق الموسكي في القاهرة مع الاختلاف.ما أكثر السلع وما أوفرها! هنا ملابس وهناك أوان منزلية وبعد خطوات حرف يدوية‘ وفي كل هذا المشوار ندفع الناس ويدفعوننا بالمناكب وتنوء أكتافنا بالأحمال ولكنا لم نوفق في مقصدنا فشرينا أشياء أخرى لم تكن في البال وجدناها أمامنا مغرية ورخيصة.أخذنا سيارة أجرة إلى منطقة "كُلابة"- بضم الكاف وتشديد اللام- وهي متاخمة للبحر ويكثر فيها العرب.جلسنا فيها عند محل للعصائر فارتوينا منها وبها ورحنا بعدئذ يمنة ويسرة وراء ضالتنا دون جدوى.ونحن نقطع الشارع نجتاز أسرا عربية تتسوق وتتنزه‘معظمها إماراتية وعمانية وبحرينية‘ وبعضها تجيد اللغة الهندية وتحادثهم بطلاقة‘ ونلمح إفريقية مليحة ‘كاكاوية اللون ترتاد المتاجر بثقة فقلت في نفسي: لماذا لا نستعين بها‘فربما يكون عندها الحل‘فتقدمنا نحوها وهي تجلس إلى تاجر يبدو أن بينهما "معرفة سابقة" فشرحت لها تعبنا وراء التوب السوداني ‘فقالت إنها صومالية عملت موظفة في سفارتنا في مقديشو إبان عهد سياد بري قبل مآسي بلادها‘ وروت كيف أنها فرت مع أسرتها بعد اشتعال الحروب إلى كندا حيث تعيش حاليا ,وأشادت بالسودانيين وأنها على صلة طيبة بهم في تورنتو .وقالت إنها تعمل في التجارة بين الهند وكندا وتوزع بضائعها على الجاليات العربية والإسلامية فيها ثم تأتي من جديد‘ أرأيتم كيف تتاجر النساء عبر القارات ؟ اتصلت الصومالية بمتجر وتفاهمت معهم وبعد دقائق كان معنا صبي المحل‘الذي دار بنا في الأزقة حتى وصلنا عمارتهم ‘التي صعد فيها بسام معه بينما رحت أنتظر أسفلها. وبعد مدة جاءني بتياب قيل إنها حديثة وتساير خطوط الموضة‘ غير أنها لم تنقر قلبي!
هذه مدينة كبيرة بكل المقاييس متاح فيها ارتياد بيوت البغاء ويكثر فيها زواج الأجانب من بنات الهند الفاتنات‘قليلات المهور وإن لأشهر الصيف والإجازة ثم "خرج ولم يعد" - منهم بعض العرب - للقرب الجغرافي النسبي ‘كما أنها تعج بكل عجيب‘ وغريب منه ما قيل إن هناك فندقا فخما يضم نساء نزيلات من مختلف بقاع الدنيا‘بينهن عربيات‘ يقضين فيه عطلاتهن السياحية ويبحثن عن المتعة الحسية لذا يعرض شباب هنود أنفسهم بالتمدد على حديقته ‘فإن وقع اختيار إحداهن على أي منهم أرسلت من يستدعيه إليها فيقضيان معا وقتهما الخاص فإن توافقا تواعدا من جديد لقاء مكافأة مادية وإلا نظرت تبحث عن شاب آخر أكثر توافقا!
الآن نحن في فراغ لذا اتجهنا إلى البحر القريب مارين بمحال يديرها سودانيون تكتظ بأغراض سودانية..بدءا بالعطور‘مرورا بالحناء ‘وانتهاء بالجلاليب الجاهزة وكأننا في المحطة الوسطى أم درمان أو ميدان البوستة.في هذا الشارع يقع أشهر فندقين متجاورين للنزلاء العرب هما الخليج والحجاز بطوابقهما المتعددة وبينما أعبر الشارع وبسام خلفي إذا بسيارة دفع رباعي تطير كالسهم تكاد تطيح بي تاركة الدهشة والحيرة وراءها‘ وتأثر بسام‘الذي تألم قائلا"كنت ستموت يا أبي أمامي في يومك الأخير‘يا إلهي! إنني كنت سأغتال السائق المتهور في الحال وأموت معك" ‘ولكن ماذا نفعل يا ولدي بالموت الذي نفر منه وهو أقرب إلينا من حبل الوريد؟
البحر ممتد ‘عريض أمامنا وفي لسان من اليابسة داخله كازينو وثير يستعد لبرنامج المساء.وعلى الكورنيش جمهرة من السياح والهنود يتابعون "زفة" يزينها الطبل والمزمار وحصان مطهم يرقص على النغمات كما في أعراس الحارات المصرية وبنات في غاية الجمال رضعن من ثدي القمر وبعضهن تائهات الخصل يتهادين في حرفية وإبداع مع الإيقاعات بينما أجهزة التصوير المختلفة تسجل هذه البهجة الرائعة‘فجلسنا على الرصيف جوارهم نتابع ونستمتع بالبرنامج السياحي البهيج.بعد خفوت الصخب تقدمنا صوب بوابة الهند الأثرية الفخمة‘التي بنيت قبل عقود ليمر من تحتها ولي عهد بريطانيا ‘التي حكمت الهند القارية ب 400 موظف لا غير! ها هي البوابة تنتصب ضخمة‘شامخة‘ بنقوشها وزخرفتها الدقيقة‘التي باتت مزارا للآلاف يوميا وحولنا خلق كثير بمختلف ألسنتهم وسحناتهم.وبعد أن التقطنا عشرات الصور التذكارية بكاميرتنا الخاصة وعن طريق المحترفين الجائبين بخدماتهم جلسنا نرتاح على الرصيف فإذا برهط من السودانيين جوارنا يتآنسون فتقدمنا نحوهم فتعارفنا..إنهم وفد قادم من السودان لترخيص دواء هندي‘ يرافقهم مندوب الشركة‘يتكون من وزير إقليمي من القضارف ‘سيدة تعمل مديرة المختبرات المركزية في وزارة الصحة ‘مسؤول جنوبي في "الصحة"‘ ومسؤول في مستودعات الأدوية "الإمدادات" في وزارة الصحة الاتحادية ‘ الذين رحبوا ببسام ووعدوا بتسهيل عمله هناك‘إن رغب‘ فشكرناهم فمضوا إلى فندق التاج الفخم جدا ‘الذي يقع قبالتنا في واجهة بحر العرب وهو آية في البهاء والفن المعماري الباذخ‘ حيث ينزلون‘ ويا "بختهم".والهنود لهم طويل باع في صناعة الفندقة فسلسلة فنادق أوبروي الشهيرة مثلا‘التي تنتشر عبر العواصم العالمية يملكها رجل أعمال هندي.
الشمس تؤذن بالغروب وصفحة خليج بحر العرب تبدو ساكنة بزرقته اللازوردية إلا من القوارب البخارية والعادية التي تنقل السياح الذين يودون الاستمتاع بالنزهة البحرية‘ وتطفو على سطح الماء "شمندورات" عائمة تنبئ بوجود شعاب مرجانية أو معوقات ملاحية هنا وهناك ‘والطائرات تمرق بأزيزها عبر البحر في طريقها إلى كل أركان الدنيا حتى تغيب عن أنظارنا وتتلاشى وراء الغيوم وتماس الأفق بالمياه.إذن سأكون على المسار نفسه مودعا الهند بعد ساعات قليلة.في الحلقة الجديدة: لماذا باع هؤلاء شعر البنات؟!


[/size]
</B></I>
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.agrteg.8m.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر الدولة : السعودية
الجنسية : سوداني
عدد المساهمات : 272
نقاط : 397

من روائع الاستاذ أنور محمدين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع الاستاذ أنور محمدين    من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 29, 2010 4:12 pm



[size=25]الركض نحو الغد ..(32)
تنطلق النمور الآسيوية بقوة إلى المستقبل ‘وهي تضم ماليزيا التي تنشئ عاصمة جديدة عصرية بمعايير راقية تسمى بوتراجايا بديلة عن كوالالمبور‘ التي اكتظت واختنقت‘ وكوالالمبور معناها ملتقى النهرين كالخرطوم وكانت مركزا لتصدير القصدير أصلا‘ ولكن دون أن تتكبد الخزانة العامة دولارا واحدا بتوظيف الاستثمارات الوطنية والأجنبية‘إنها عبقرية القيادات غير التقليدية‘هل بوسعنا اختيار عاصمة سياسية جديدة لبلادنا نتوخى فيها التوسط ‘خاصة إن اختار الجنوب الوحدة 2011 م‘مثلا مدينة ربك ؟ وفي قائمة النمور سنغافورة الجزيرة‘المدينة‘ الدولة الصناعية الرائدة في المجال اللوجستي وثاني بلد في ضخامة الصناديق السيادية التي تستثمر للأجيال القادمة‘ثم تايوان قلعة الصناعة والاستثمارات التي يزدهر فيها الشحن البحري أيضا‘وتجلس على سنامها كلها كوريا الجنوبية‘ التي تلج الغد بقوة ‘يكفي دليلا ضخامة وسطوع شركة سامسونج العملاقة ‘بينما بعد الحرب الكورية الشهيرة في بداية الخمسينيات الماضية لم تجد ما تصدره سوى شعر البنات والنساء للخارج للكوافير والشعر المستعار ‘ألم تقدم نساء بريطانيا قدور المطبخ للتصنيع الحربي دعما لبلادهن في الحرب العالمية؟
أما الهند فلا ينافسها في هذا السباق الآسيوي‘العالمي الجبار غير المارد الصيني‘فالهند تسجل نموا اقتصاديا يعادل 3 أضعاف المستوى الأوروبي و5 أضعاف الخليج! لكن ما سر هذا التسارع القياسي؟ إنه الرهان على الإنسان ورفع قدراته بطرائق التعليم والتدريب والتأهيل وإعادة التدريب ‘فالإنسان هدف كل تنمية ووسيلتها.وفي هذا السبيل تستوعب الهند الأطفال من الجنسين من سن 3 سنوات في الحضانة ثم التمهيدي فالابتدائية حتى الجامعة وما بعدها والتعليم إلزامي حتى سن 14 عاما‘ ومع ذلك هناك نحو 40 مليون طفل دون تعليم‘أي قدر تعداد السودان‘ وهو رقم قليل قياسا بسكان البلاد فهي ثاني دولة سكانا والسابعة مساحة‘ فيها 180 مليون طالب ‘منهم 20 مليونا في الثانويات. والتعليم جاد ‘والمناهج عصرية تواكب آخر المستجدات واليوم المدرسي طويل والمحاضرات تتواصل دون انقطاع أو فسحة حتى المساء دون فواصل فقط ساعة للغداء والإجازات محدودة ‘مع اهتمام خاص بالرياضيات والتكنولوجيا وهما لغة القرن الحالي والتخصص يبدأ من الثانوي والأولوية للتعليم المهني الثانوي لذا يجهد الطلاب الأجانب أنفسهم لمتابعتهم في الجامعة‘إذن يمتازون بالجدية التي تصل حد الصرامة في بناء الإنسان.واحترام الأستاذ أساس التربية ‘فالطلاب يقومون لرؤيته داخل القاعات أو خارجها‘وتأملوا حال المعلمين المتراجع لدينا ماديا ومعنويا واجتماعيا‘إذن كيف نتقدم ‘والمخصص للتعليم في الميزانية العامة لا يزيد كثيرا على 1%!؟ و الهنود يهتمون بالتطبيق العملي فأمام كل طالب جهاز في المعمل ‘ولا ينقل الطالب إن لم يجتز الامتحان العملي.
في الهند وزارة للموارد البشرية وتنميتها ودلالتها جلية. وتوجد نحو 20 جامعة مركزية حكومية والأخر إقليمية مدعومة من الحكومات الولائية مقابل نسبة من المقاعد برسوم مخفضة للطلاب الفقراء وبعضها يضطلع بها القطاع الخاص.ومجموع الجامعات 230 تضم نحو 5 آلاف كلية‘ فضلا عن برامج التعليم عن بعد المتاحة. .وبينها جامعات عالية الشهرة مثل جامعة عليكر الإسلامية ونهرو لبحوث الدراسات العليا‘ومعهد الهند التكنولوجي الذي يقبل 2% فقط من 200 ألف متقدم سنويا!وتوجد مناهج اللغة العربية في بعض الجامعات والمعاهد اتساقا مع التراث العربي‘الإسلامي الوطيد في البلاد.ويشكل الطلاب الأجانب دخلا جيدا وسمعة عالية للبلاد‘إنهم استثمار مدروس ذو عائد مجز.
إن الأمم الجديرة بالمجد في عالم الغد شديد الضراوة في التنافس تحجز مقاعدها منذ الآن ببذل الغالي في سبيل التعليم الجاد بحسبانه طريق المستقبل الوحيد الآمن ‘والهند في الصدارة دون ريب فهي ستسير كتفا بكتف بجانب الولايات المتحدة بعد عقود ثم تتقدم عليها. إنها دولة الألفية الجديدة بحق ‘فترقبوا وثباتها المتلاحقة!ومع كل ذلك بيننا من ينظر إلى الهنود من عل..عجبي! في الحلقة التالية: بروفيسورات يتزوجن عمالا ..لماذا ؟

[/size]
</B></I>
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.agrteg.8m.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر الدولة : السعودية
الجنسية : سوداني
عدد المساهمات : 272
نقاط : 397

من روائع الاستاذ أنور محمدين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع الاستاذ أنور محمدين    من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 29, 2010 4:14 pm

إليكم..قبيل الختام (33)
بحر العرب ممتد أمامي وممباي الساحرة تمور بالحركة وأمامي ساعات وأغادر الهند‘ ولكن هل في جعبتي معلومات عن الهند أرى أهمية طرحها لفائدتكم قبيل الرحيل ؟ نعم‘ منها:
*أكبر سوق للذهب في العالم لتعلق نسائها بالتجمل بالمعدن الأصفر ‘النفيس.
*استحدثت أخيرا قناة تلفزيونية خاصة بالأفلام الهندية تسمى" ذي"‘ ولعشاق الطبيعة الغنية والجمال البشري الأخاذ.
*تستورد الهند 70% من احتياجاتها النفطية‘وتملك 18 مصفاة تكرير ضخمة للنفط تصدر الناتج الفائض منها.وتغطي صادراتها التقنية والمعلوماتية وارداتها النفطية تقريبا.
*يشكل الهنود جاليات كبيرة في دول عديدة‘منها جنوب إفريقيا حيث عمل غاندي محاميا بادئ الأمر‘ جزر سيشل‘سريلانكا حيث تحتد الصدامات بينهم والمواطنين الأصليين‘وحتى في بريطانيا وأمريكا‘ وقد اكتسبوا جنسيات تلك الدول وصاروا مواطنين فيها ويشكل المهاجرون نحو 6% من الهنود.وقرأت أن بعض عمالهم تتزوجهم بروفيسورات في الدول الإسكندنافية‘اللائي يتوافر لديهن العلم والمال‘ولكن كل إنسان في هذه الدنيا يبحث عما ينقصه‘وتساعدهم في ذلك إجادة الإنجليزية‘فضلا عن الاعتقاد الشائع بأن ذوي لون البشرة الأدكن أكثر إمتاعا في المعاشرة الجنسية!
* إذا كان العالم يحتفل الآن بمرور 60 عاما على صناعة الكمبيوتر الحديث وإذا كان تيم بينير مخترع الإنترنت لايزال على قيد الحياة فإن الهند من أكبر المستفيدين منهما حيث تمضي في خطتها الرامية لأن تكون أمة خلاقة عام 2020 بالتوسع في الكمبيوتر والعلوم والتكنولوجيا ورعاية الموهوبين وتصدير الأذكياء.
*تحتوي لغاتهم على نحو 400 كلمة عربية مثل أكبر‘مصيبة‘صبح‘ دنيا‘ ولدينا مفرداتهم مثل سيدا أي "طوالي"‘المستخدمة في الخليج.ولغاتهم كثيرة منها لغة اسمها" كندا" في جنوب البلاد!
* الدولة تتكفل برعاية وتعليم طفلين فقط لكل أسرة تنظيما للنسل الهائل ففي الهند 5 ملايين أعمى مثلا ‘أي ما يساوي سكان فنلندا!
* من عجائب الهند أن بعضهم يعتنق أكثر من دين مثلا مسلم وهندوسي ومسيحي معا‘وتذكرت عندها وترحمت على حبوبتنا زينب موسى والدة أستاذنا وخالنا عبد اللطيف عبد الرحمن ‘التي جاءوا بها للإدلاء بصوتها في انتخابات محتدمة في البلد وكانت كبيرة السن وتكالب عليها الناس: يا عمتي صوتي للقطية‘ يا خالتي صوتي للهلال‘ وهكذا وانتظروها حتى خرجت ليسألوها بلهفة: عملت إيه؟ فقالت باطمئنان: جاملتهم كلهم!"يعني صوتها راح"!
* الهند أكثر دول العالم التي تتقافز فيها أعداد الأثرياء بسرعة أرنبية‘ وهذا لا ينفي أنها بلاد التناقضات والتضادات..الفقر والغنى‘ التقدم والتخلف‘الخرافة والعلم‘ لذا من رأى الهند كأنما جال الدنيا وطاف أركانها.
الآن أقف أمام فندق التاج أفخم فنادق الهند وأرقاها وأنظر في "تاكسي" يأخذنا إلى المطار.
في الحلقة التالية‘الخاتمة: ما الذي أضحكني في طريق العودة كثيرا؟!


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.agrteg.8m.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر الدولة : السعودية
الجنسية : سوداني
عدد المساهمات : 272
نقاط : 397

من روائع الاستاذ أنور محمدين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع الاستاذ أنور محمدين    من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 29, 2010 4:15 pm



[size=25]وداعا ..وداعا (34)
حين اندفعت بنا سيارة الأجرة إلى المطار التفت ألقي نظرة أخيرة على بوابة الهند الشامخة على خاصرة خليج بحر العرب وسرنا وسط بهرجة من شلالات الأضواء المتراقصة قرابة ساعتين والحركة تختنق كلما تقدمنا حتى بلغنا ميناء ممباي الجوي الدولي الضخم.إنه أكبر من حلتنا ..بوابات عديدة وخلق كثير وطائرات لا تكف عن الإقلاع والتحليق والهبوط من كل فجاج الأرض.حططنا رحالنا خارج بوابتنا المنشودة‘التي وصلناها بالسؤال وعكفنا على ترتيب الأمتعة وحصر ما تبقى من مبلغ وصل نحو3 آلاف ريال تقاسمته وبسام وكانت لحظات الوداع مشحونة بالاضطراب واللوعة والألم الصامت .والمطار كأنه قلعة حربية لا منفذ إليه ولا دخول فيه وعبثا حاولنا إقناع العسكري بدخول بسام معي ووداعي واتفقنا أن أعود إليه بعيد شحن العفش .وعند ما ولجت إلى بطن المطار ألفيت طوابير ومنافذ متعددة وسألت حتى بلغت صف "طيران الخليج" حيث تمكنت من شحن أمتعتي بسلام وعدت لبسام ‘الذي أصر على ألا يغادر المطار إلا بعد إقلاع طائرتنا ولكني أقنعته بألا يقلق على والده المتمرس على السفر فأمامه العودة إلى شقة زميله شاذلي في مدينة بونا على بعد 3 ساعات بحافلات تنطلق من أمام المطار‘فقلت له : حتى لو تعثر أي أمر فسأعود إلى أي فندق وأتصل عليك‘ وتعانقنا جوار العسكري‘ أمام المسافرين وتعمدت أن أكتم عواطفي حتى لا ينفجر باكيا وقلت له مشجعا "أسافر وأترك ورائي رجلا في الهند"‘ولوحنا لبعضنا بالأيدي حتى تواريت عنه داخل قاعة المسافرين وفي قلبي لوعة وفي عيني دمعة,حيث أخذت طريقي إلى طاولة الجوازات ‘التي تفرس موظفها في جوازي مليا ثم ختم عليه "الخروج" فسرت وراء رفاقي حتى وصلنا سير التفتيش فتركت جانبا أشيائي ومضيت بسلام إلى الداخل وبعد أن جلست في صف الانتظار نودي على اسمي بمكبر الصوت! إيه الحكاية ‘هم ناوين يعتقلوني ولة إيه!؟ وحين عدت إلى موقع التفتيش ناولوني الجوال والساعة ‘اللذين نسيتهما ورائي!
بعد مسار حلزوني وجدنا أنفسنا في جوف الطائرة الضخمة ‘التي جرت في مسارها حتى ارتفعت في الجو لتستقر وسط بسمات المضيفات الأنيقات‘ الرشيقات اللائي تنقلن بيننا كالفراشات الملونة لخدمتنا .
بعد مسار نحو 3 ساعات متواصلة ها هي طائرتنا تهبط في مطار أبوظبي الدولي‘وهو الذي بات لي مألوفا‘فأخذت طريقي إلى مكتب طيران الخليج وتسلمت بطاقات تسمح لي بتناول وجبتين مجانا من كافتيريا المطار ثم هبطت إلى الدور الأسفل بالسلم الكهربي إلى المسجد الصغير والساعة نحو الواحدة صباحا بفارق التوقيت فانتحيت جانب الجدار وتوسدت حقيبتي الصغيرة محاولا النوم‘ متمنيا ألا يوقظني أحد لصلاة الفجر نظرا لإجهادي الشديد‘ ولا سيما وأن طائرتي التالية العاشرة صباحا وأمامي قضاؤها لاحقا.ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه فنحو الرابعة صباحا دبت حركة الناس للصلاة ولكزني أحدهم لإيقاظي فلم أجد بدا من القيام متثاقلا ‘وعيناي نصف مقفلتين للوضوء وسط نكات قديمة يرسلها سوداني بأعلى صوته ثم يسارع قبل غيره بالقهقهة المتلاحقة!
فور انتهاء الفريضة عدت ألتمس النوم مجددا حتى أيقظتني أصوات الناس نحو السابعة فتهيأت ثم مضيت إلى الكافتيريا متناولا وجبتي المجانية. بعدها صعدت إلى الصالة الرئيسية متسكعا حينا أمام المحال التجارية الملأى بصنوف السلع‘ وجالسا حينا آخر أرقب أفواج المسافرين تقذف بهم الطائرات على مدار اللحظة من كل لون وجنس ولغة بمختلف سحناتهم وألسنتهم..إننا حقا في قرية كونية تمور بالنشاط والجمال !
العاشرة صباحا أقلعت طائرتنا لتستقر في الأجواء وسط العصائر والوجبات الخفيفة وأمامنا شاشة كبيرة تبث برنامجا عن "الكاميرا الخفية"‘في مشاهد مفارقات أغرقتني في ضحك متواصل فاضت معه دموع التسرية.
بلغنا مطار الرياض الدولي الآن وأجتاز مراحل الإجراءات وأصل الخارج وتأخذني سيارة إلى وسط العاصمة السعودية النابضة بالحيوية.مبنى الجريدة التي أعمل فيها على اليسار ‘فتنعطف السيارة يسارا في شارع التخصصي متجهة إلى حي الناصرية العريق حيث أسكن. هنا أدركت أنني كنت معكم في دار فسيحة يعرض فيها فيلم‘ هندي ‘حقيقي ‘مثير‘وصلت وقائعه نهايتها السعيدة فأضيئت الأنوار‘ وأسدل الستار.شكرا لصحبتكم الرائعة..وداعا.


[/size]
</B></I>
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.agrteg.8m.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر الدولة : السعودية
الجنسية : سوداني
عدد المساهمات : 272
نقاط : 397

من روائع الاستاذ أنور محمدين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع الاستاذ أنور محمدين    من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالأحد أبريل 17, 2011 10:13 pm

البطل سيد فرح ..ماذا قال ..وبم أوصاكم؟
قال كاتب المقال وهو انور محمدين :
سعدت بصحبة الأخ محمد سيد شريف في القاهرة في مستهل السبعينيات واقترح أن نزور عمنا سيد فرح ورحبت . وفي داره العامرة استقبلنا بحفاوة وعرفناه بنفسينا وسأل عن الأهل وسرد بعضا من ذكرياته الباكرة في البلد واستفسر عن عملينا ولم تعجبه وظيفتانا .. التدريس والمحاسبة.. ومتى عرف السبب بطل العجب وهذا ما سيتبدى بين السطور.أصر على أن نتغدى معه فانتهزت السانحة النادرة وطلبت قصته مع ثورة 1924 .
اعتدل في جلسته وقال إنه كان ضابطا شابا في شندي حين سابق زميلا بريطانيا بالخيل وفاز عليه فاغتاظ "الخواجة" وانفجر في وجهه متوعدا بأنهم سيركبون السودانيين ‘كما الهنود! فاعتملت هذه الإهانة في نفسه وتفاعلت ما جعله مهيأ للثورة على المستعمرين ( ولهذا حينما عدت كتبت مقالة عنه في جريدة الرأي العام بعنوان "معظم النار من مستصغر الشرر‘ مازلت أحتفظ بها) فانضم لجمعية اللواء الأبيض واستبسل في المعركة الفاصلة في موقع مستشفى العيون الحالي في الخرطوم وحينما نفدت الذخيرة عام لبحري ولجأ للكتيبة المصرية ثم سافر لمصر متنكرا من الشرطة التي كنت تنشط في تعقبه.
كان يمشي على رجليه في الريف المصري من قرية إلى أخرى واضطر للعمل راعيا حتى إن صعيديا تسبب في كسر يده لأنه افتقد "سخلة" من قطيعه الذي كان يرعاه له ‘ كما امتهن الطبابة الروحانية بمحاولة مداواة الناس بالقرآن و"المحاية" وانتحل اسم الشيخ محمود المغربي تمويها للأمن ولجأ لذلك كله لأنه لم يكن يحسن حرفة تفيده والمجتمع المحلي كالحدادة والسباكة والنجارة وغيرها فشقي ومن هنا كلفنا أن نوصي الأهل بأهمية تسليح الأولاد بالتعليم الفني والتدريب المهني.وغادر مصر إلى ليبيا حينما أحس بأنفاس الاستخبارات الإنجليزية فشارك البطل عمر المختار في محاربة الطليان المستعمرين في الجبل الأخضر قبل إعدام المختار 1931! تأملوا وعيه المبكر بوحدة المسار والمصير العربي الإسلامي والمناطقي.
قفل عائدا إلى مصر حينما انكشف أمره في ليبيا واستقر في قرية ملوي من أعمال محافظة المنيا في الصعيد ‘جنوبي مصر‘وعمل كاتب محاصيل لدى تاجر ثري‘ وحين جاء ابن الرجل في إجازته وكان ضابطا عرفه من خطه وتفرس في وجهه وأعد له غداء وأحضر له صورة تجمعهما في الخرطوم فقد كانا زميلين هناك وواجهه فلم يجد بدا من الاعتراف ملتمسا منه الكتمان فأقسم له الضابط بطي الأمر في صدره وأوصى والده به خيرا.وكان بطلنا قد اقترن بزوجة أخرى من القرية المصرية نفسها فقد كان متزوجا سودانية قبلا (أبوصارة) وأقاما في "راكوبة" من القصب‘ والعجيب أن المصرية وبناتها عشن في السودان لاحقا بينما اختارت السودانية وأولادها مصر إلى اليوم‘ أنقول "مصر والسودان حتة واحدة؟".
وحكى لنا أن أحدا من البلد لم يكن يعرف مكانه سوى صهره بشير عبد الله الذي كان يعمل في القاهرة حيث كلفه بالاتصال بوالده ليرسل له 100 جنيه. ووالده فرح صالح عمدة دلقو الذي ذكر الزعيم محمد نجيب في كتابه "كنت رئيسا لمصر"أنه تعلم على يده القراءة والكتابة في طفولته إبان عمل والده في مركز دلقو‘ وكان ميسور الحال ولكنه اعتذر عن عدم تلبية طلبه لضخامة المبلغ طالبا تحديد مبلغ معقول فرد سيد بضيق بأنه لا يرغب منه شيئا! وكان شديد الاعتداد بنفسه.
أبرمت مصر وبريطانيا معاهدة 1936 وبمقتضاها أعيد الجيش المصري إلى السودان‘الذي كان قد رحل 1924‘ وإثر ذلك أفرج الملك فاروق عن بطلنا وأسرع صديقه الضابط بالصحف التي نشرت الخبر إليه فكانت الأفراح والتهاني والدهشة والذهول! أهذا العامل البائس الذي يعيش على رصيف المجتمع ضابط عظيم وبطل وطني؟ وقال إن زوجته عاتبته كيف لا يطلعها على حقيقته بعد أن أصبحت زوجته وأم عياله؟ فرد عليها بأنه إن تصرف هكذا لوسوست بالخبر لوالدتها التي كانت ستفضي به إلى ابنتها الأخرى وتلك لزوجها وما هي إلا شهور حتى كانت الشرطة ستطبق عليه‘ والسر الذي لا يحتمله صدر صاحبه يضيق به صدر غيره!
بعدئذ عين ضابطا لضرائب أسيوط ثم أعيد للجيش وعمل في حدود السودان‘ ثم أصدر الملك مرسوما ولاه بموجبه محافظا على مرسى مطروح ‘وهي مدينة ساحلية‘ سياحية زاهرة غرب الإسكندرية بقراها ونجوعها وباديتها‘ وبقي فيها حتى اندلعت ثورة 1952 التي جاءت بطواقمها الإدارية الجديدة فأحيل للتقاعد.بعد لقائنا بفترة زار السودان فكان محل الاحترام الرسمي والشعبي وأذكر أن وسائط الإعلام أجرت معه طائفة من اللقاءات عن جمعية وثورة اللواء الأبيض وأسرارها وتفاعلاتها.ولاحقا حينما توفي في مصر نعاه الرئيس نميري وأوفد الدكتور محيي الدين صابر لاستقبال جثمانه الطاهر في المطار‘الذي شيع في موكب مهيب حاشد في الخرطوم يليق بتضحياته وسجله الوطني الناصع.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.agrteg.8m.com
محمد صالح على
عضو متواصل
عضو متواصل



ذكر الدولة : المملكة العربية
الجنسية : سوداني
عدد المساهمات : 125
نقاط : 144

من روائع الاستاذ أنور محمدين  Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع الاستاذ أنور محمدين    من روائع الاستاذ أنور محمدين  I_icon_minitimeالسبت أغسطس 13, 2011 12:31 am

إستمتعنا به من البدايه للنهايه

التحيه لك وله وللجميع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
من روائع الاستاذ أنور محمدين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات عـقرتق النوبية :: الأقسام العامة :: المنتدى العام-
انتقل الى: